«المضاربة» على الأراضي

ينتقل أثر المضاربة على الأراضي ورفع أسعارها إلى البشر! ويبرز في صفحات الصحف وبرامج التلفزيون ومواقع الإنترنت حتى أنتج عدد من الشباب فيلماً على الشبكة بعنوان «مونوبولي»، فالقضية هاجس قديم تتصاعد حدته باطراد، خلال الشهر الواحد يقفز سعر المتر بعشرات الريالات من دون سبب ظاهر، في شهر رمضان كانت العروض شحيحة كما أخبرني بعض المتابعين لسوق العقار وكانوا يتوقعون ارتفاعاً جديداً مع هلال العيد، وهو ما حصل في بعض المناطق، وفي برنامج «واجه الصحافة» على العربية قال الدكتور رائد الدخيل إن قيمة الأرض تشكل «45%» من تكلفة إنشاء الوحدة السكنية، وهو أمر صحيح، وربما يزيد حتى إن من يستطيع شراء قطعة أرض ينكسر ظهره، ويحتاج لسنوات طول لجمع تكلفة التشييد إن تمكن من ذلك، ومواد البناء والعمالة في ارتفاع مستمر هي الأخرى.
وعند نقاش قضية الإسكان وتوفره للمواطن يدور الحديث دائماً عن الأراضي، ارتفاعاً في الأسعار واحتكاراً وعدم توفر مساحات، وهو ما تذكره – عادة – جهات حكومية مثل وزارة الإسكان، لكن لا أحد يناقش أسباب الارتفاع المتزايد والمستمر وإلى أية درجة هو حقيقي وما نسبة المفتعل منه؟ وبدأت هبّة ارتفاع أسعار العقار «الأخيرة» في السعودية بيعاً وإيجاراً منذ لحظة سقوط سوق الأسهم، وقيل وقتها إن رؤوس الأموال «أو ما تبقى منها» اتجه لسوق العقار «الملاذ الآمن» مع التبرير المعتاد عدم توفر أوعية استثمارية في الاقتصاد… المتين! وزادت عاصفة الأسعار هبوباً كثرة التداول الإعلامي لنظام الرهن العقاري بين جهات حكومية، صدر سيصدر لن يصدر وهكذا، فكان محفزاً آخر، يضاف إلى الطلب المتنامي كل عام.
ولو كانت تلك الأراضي صالحة لزراعة الشعير لفهمنا فهماً أكثر من فهم زين العابدين قبل هروبه من تونس، لكنها لا تصلح للزراعة وحدها جدران وسقف ثم انتظار للبنية التحتية، والملاحظ أننا عدنا بدواً رحل وبدلاً من خيمة الشعر صرنا ننتقل بالوحدات الإسمنتية من حي تم استكمال خدماته إلى آخر جديد.
وحتى نخرج بحلول ولو مؤقتة تعيد الأمور إلى نصابها لابد من فحص حقيقة ارتفاع الأراضي، ونسبة المفتعل منه، فهل تستطيع وزارة الإسكان والبلديات أو كلاهما فحص هذا الأمر بالمشاركة مع وزارة العدل، الأستاذ فضل البوعينين الكاتب الاقتصادي أشار في برنامج «واجه الصحافة» إلى تجربة دولة قطر للحد من المضاربة على أسعار الأراضي، قال إن قطر أصدرت قراراً بعدم إمكانية بيع الأرض المشتراة إلا بعد مرور عام كامل من تاريخ شرائها، وأن هذا القرار خفض أسعار الأراضي بنسبة كبيرة. إن تولي وزارة الإسكان أو البلديات لزمام اقتراح «عملي» مثل هذا سيخفف الضغوط عليها وسيتيح لها فرصة للالتقاط الأنفاس. فهل تعلق الإسكان الجرس؟ أم تنتظر مع المنتظرين؟
هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.