الشيخ المقاول

أصبح هو رفيق الطريق الذي لم تختره، وداخل الأحياء لم يتبق إلا أن يطرق عمال المقاول أبواب المنازل طالبين «قدوراً وكراتين» لوضعها علامات تحذيرية أمام أعمال حفر وردم.

الأعمال والإنشاءات تحتاج إلى مقاول، لكن أرى كما ترى أنه أصبح الحاضر الوحيد تقريباً في الشارع، تحوّل المقاول إلى شيخ مثل مشايخ الطرق الصوفية، له طريقة ونحن قسراً نتبعها حذو الحفرة بالصبة، يتحكم هو وعمّاله بطريقك وعدد الحفر والمطبات التي يجب أن تتفاداها طلباً للسلامة، والمقاول بشخصه قد لا يكون موجوداً لعله مسافر إلى جنيف أو باريس، لكن عمالته حاضرة أمامك في كل شبر، ولا بأس في هذا لابد من الصبر والتحمل لولا أنك لا ترى أحداً سوى شبحه، لا ترى جهازاً رقابياً أو إشرافياً يتأكد من أن عمالة المقاول الظاهر والباطن يعملون كما يجب لسلامة مرتادي الطريق على سطح الأرض، أما ما تحت الأرض فالله تعالى أعلم بتفاصيله، والبعرة تدل على البعير. يوكل المقاول الظاهر أعماله للمقاول الباطن الذي يوكلها هو الآخر لمقاول النفر، كل من لديه معدّة ثقيلة أو خفيفة يمكن جلبه للعمل. يلح علي سؤال: هل المقاول وحده هو من يدير المدينة وطرقها؟
 تشاهد استخدام معدات ثقيلة وخطرة ليلاً داخل أحياء دون أدنى وسائل السلامة، أخطرها ليست الحفارات، بل معدات صب الخرسانة الضخمة بقوائمها الفولاذية التي تتحول إلى فخ خطر لسائقي السيارات، وتقف وتتحرك ليلاً من دون أنوار، وكأن المقاول يعمل داخل منزله وأسكن أهله شقة مفروشة! وعمالة الطرق الرئيسة تختلف عنها داخل الأحياء من حيث ارتداء وسائل السلامة ونوع إشارات التحذير، وكذلك معداتهم.  الطرق الرئيسة مثل المجلس في المنزل معد للضيوف، لابد أن يكون مرتباً ونظيفاً في حين تركت غرفة المعيشة لصبيان المقاول من عمالة تم جلبها من نطاق التسيب الأخضر!

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.