المساهمة في صناعة الدجال!

ظهر «تخصص» جديد في الإعلام يمكن تسميته «التنجيم السياسي»، وبدلاً من البلورة السحرية التي نراها في الأفلام، يجلس المنجم السياسي أمام كاميرا قناة فضائية زينته بأوصاف من الدكتوراه إلى المفكر، وأول ما يبدأ ظهوره وحضوره يقول: ألم أقل لكم؟

تتلفت يميناً ويساراً تحدث نفسك ماذا قال؟ ولمن ومتى؟

«ألم أقل لكم؟» و«سأذكركم بكلامي هذا!»، من أدوات التنجيم السياسي في الفضائيات وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، ولأن التفكير – من المفكر – حصر بهؤلاء قرر بعض متابعيهم إحالة عقولهم إلى التقاعد، هكذا أصبح الإنسان كائناً لا يفكر حتى يأتي مفكر يفكر له. ومشكلة هؤلاء أنهم لا يطرحون ما يرونه على أنه توقعات، بل يتحدثون بلغة الجازم بمعلومة موثقة ما زالت «سرية جداً» إلا عنهم!

ولعلم الإخوة القراء والأخوات القارئات أنه في الغالب حينما يستضاف شخص من قناة يسأله الوسيط الهاتفي ماذا تحب أن نضع أمام اسمك، أو كيف نعرف بك؟ وأنت وذمتك، فإذا كان عندك خلل في التفكير قد تفرض وتصر على.. مفكر!

زمان وقبل وسائل التواصل وسهولة انتشار الأخبار كان بعض المحظوظين يحصلون على أجهزة بحث عن موجات اتصال بوسائلهم الخاصة تبحث عن ترددات اتصالات الدوريات أو مكالمات هواتف السيارات، ثم يتصدر الواحد منهم المجلس ويبدأ في التنجيم، وإذا ما تابعت بعضهم في فضائيات ووسائل تواصل من جماعة، «ألم أقل لكم؟.. وستذكرون كلامي، وسبق وأن قلت…»، لا بد أن تتوقع امتلاك الواحد منهم لصندوق أسود أو صندوقين واحد للصباح والآخر للمساء، تمر من خلالهما جميع اتصالات القادة والزعماء السياسيين وأجهزة استخبارات وحتى الجواسيس!

هذا التخصص الجديد لا يختلف كثيراً عن تفسير الأحلام، إلا أنه أكثر دقة في تفسير أحلام الشخص المفسر نفسه، أفهم وتفهم أن هناك رأياً سياسياً يطرح قد تشوبه عواطف أو توجهات، ونفهم مجتمعين محاولات لتحليل معطيات حصلت أو ظهرت مؤشرات لها، وجمع قطع متناثرة من صورة مشهد واقع أو متوقع، لكن أن يصل الأمر من بعض متسيدين للشاشات الفضائية إلى التنجيم السياسي عن أحداث ستقع فقط لأن الشخص – أو من يقف خلفه – قالها فهذا من المضحك المبكي، المضحك أن يشار لمثل هؤلاء بخبراء ومفكرين، والمبكي أن تحتفل بهم قنوات فضائية قادرة على انتقاء أفضل منهم احتراماً لعقول مشاهديها، على افتراض احترام للعقول، لا محاولة استغفالها.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.