من جمعة المليونية إلى جمعة التفجير

لم تكن موجة الربيع العربي سوى الجزء الأول مما يراد إنتاجه في العالم العربي، وهو مرتبط بالجزء الثاني الذي صعدت فيه الميليشيات إلى السطح وأصبحت لا تهدد الأنظمة الحاكمة فقط، بل تجتهد في هدم منظومة الدولة العربية، ومثلما كانت مقدمات ومطالب الربيع العربي مغرية للمواطن العربي دافعة له وضاغطة عليه للتظاهر والمشاركة في الحشود المليونية، كان اهتزاز الدولة العربية مطمعاً للميليشيات الإرهابية الجاهزة والمجهزة، بل جرت محاولة استئناس بعضها، وفي المشهد الليبي كانت هناك نماذج حاضرة معلنة.

 كان لا بد، لإخراج الناس ودفعهم إلى التحرك، من تقديم شعارات وآمال ينتظرونها، استثماراً لتربة خصبة تكونت عبر عقود من فساد واستبداد طغى على الأنظمة العربية، ومثل ما قدم جورج بوش الابن شعارات حقوق الإنسان والديموقراطية والحرب على الإرهاب تبريراً لغزو العراق، كان للربيع العربي شعارات، وفي معرض التشخيص فإن ما لم يتحقق مع خروج الجماهير إلى الساحات يتم محاولة تحقيقه بنشاط الميليشيات والجماعات الإرهابية، وللشعارات والحرب النفسية الإعلامية دور، كما كان لها دور في الربيع العربي، إن المتأمل بعيداً عن العاطفة لا يرى انفصالاً بين محطات غزو العراق والربيع العربي وفوضى القتل والدمار الحادثة الآن مع انتشار الميليشيات الإرهابية بكل صنوفها وشعاراتها.

 انتقل العالم العربي من جمعة الحشود والمليونيات إلى جمع التفجيرات الإرهابية للمصلين، والهدف هو نشر الفوضى بتحطيم الدول، وليأكل العرب بعضهم بعضاً، فهناك من ينتظر ويعمل في الوقت نفسه على استثمار كل فرصة لمزيد من الخلخلة والانقسام، عملاً بالمقولة الشهيرة: «تجزئة المجزأ وتقسيم المقسم».

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.