الحاجة للترشيد أم للتصحيح

معالجة انخفاض الدخل بعد تراجع أسعار النفط عالمياً، والعجز المتوقع في الموازنة هي القضية التي تشغل الجهات الحكومية، وفي مقدمها وزارة المالية، وهي في الحقيقة أيضاً قضية تشغل الرأي العام المحلي، مع كثرة تقارير إعلامية لا تقابلها توضيحات رسمية حاضرة وشفافة، ومنذ فترة والحديث يدور حول أن وزارة المالية تجتمع مع أجهزة أخرى من وزارات وهيئات؛ للنقاش حول المشاريع التي يمكن خفض الإنفاق عليها؛ إما بتأجيل المشروع أو تصغير حجمه.

وأسلوب وزارة المالية الذي نعرفه -ولا أعتقد بأنه تغير- لا يراعي أهمية مشروع، بل ينظر إلى كبر حجمه وكم يمكن «الأخذ» منه، اعتماداً على فرضية أن الجهة الحكومية تطلب أكثر من حاجتها، ومن المعلوم أن النقل العام مشكلة قديمة في العاصمة الرياض، وكان يمكن لو توافر التخطيط الاستباقي والاهتمام «الاستراتيجي» أن ينجز مشروع له، ولو جزئياً في سنوات ماضية بأسعار أقل وعناء أقل أيضاً للسكان والزوار.

وأتذكر أنني كتبت -عن الاختناق المروري- متسائلاً: ألا يستخدم موظفو وزارة المالية الطرق نفسها التي نستخدمها ليروا ضخامة المشكلة وأن مستقبلها سيؤدي إلى تضخم أكبر؟ استغراباً من عدم المبادرة من الأساس؛ قبل إقرار مشروع النقل العام وظهور تباشيره للعلن.

إن الحاجة إلى الترشيد تستدعي أولا الحاجة إلى التصحيح. لقد عايشنا في السنوات القليلة الماضية إنفاقاً هائلاً، حتى إن الشوارع يعاد رصفها وسفلتتها من دون ضرورة ملحة، ومشاريع «جمالية»، إن جازت تسميتها. كذلك لا يعرف عنها سوى إجراء الدراسات والتصاميم وزفة إعلامية، والأخيرة (الدراسات) مكلفة أيضاً، وربما بقيت في الأدراج؛ لتحفظ بعد أن يأتي مسؤول جديد، وقد يعاد بيعها من الجهة الاستشارية.

هنا، يجب على وزارة المالية عدم المس بالمشاريع الاستراتيجية التي انتظرها المواطن سنوات طويلة، وفي مقدمها مشاريع النقل العام.

، كما أن أي تأخير أو تعطيل؛ بسبب إجراءات مالية أو ضغوط منها، سيزيد من معاناة السكان في كل مدينة، ومثلها مشاريع الصحة والتعليم، يمكن لوزارة المالية أن تدقق في أساليب الصرف وحسن إدارة الأموال، ولا تنسى النظر في موضة الشركات الاستشارية وعقودها لصياغة استراتيجيات وخطط وبرامج مع الأجهزة الحكومية…، فهل حققت فوائد تستحق ما تجنيه من أموال؟!

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.