كرة النار وفايروس العقوق

لم يكن «سعدٌ» سعداً على والديه ولا مجتمعه، ومن شاهد الأب المكلوم في لقاء قناة «العربية» وهو في حال من الذهول سيعلم هول الصدمة ومقدار الحزن والألم، أسرة بسيطة تعيش في قرية كيف تحول اثنان من أبنائها الفتيان إلى وحوش يقتلون ابن عمهم، رفيق حياتهم ويمثِّلون به! حتى إن الأب أشار إلى حسن خلق القتيل اليتيم وتعامله معه. وهي صدمة للمجتمع، ولم تكن الأولى من نوعها، والشاهد الرابط بين كل تلك الجرائم أن الدولة -بما يمثلها الجندي والعسكري- من حفاظٍ على الحدود وردع العدوان وحراسة للأمن والنظام هي الهدف الكبير المخطط له، وحتى ولو كان هذا شعاراً لا يعيه القاتل فهو لب الاستهداف. هذا يستلزم وقفة من الجميع؛ لنبذ كل الخلافات والتوقف عن الشحن المتبادل، سواء أكان «فكرياً» أو غير ذلك في وسائل التواصل والإعلام.

إن استخدام هذه الجرائم كرة مشتعلة، يرميها كل تيار على الآخر يزيد من تضخمها، استخدامها لتصفية حسابات و«قصف جبهات» يضيف لها مزيداً من الوقود؛ فالتصفية هنا تغلب على الحوار المثمر، الانقسام لا يبدأ من الجغرافيا بل من العقول، ولا ينجح العدو في النفاذ إلا من هذه الثغرات.

كما أنه من السهل الحديث عن دور الأسرة والوالدين في رعاية أبنائهم وتربيتهم التربية الحسنة، لكن مثل هذا الأب البسيط ألم يراعِ ذلك؟ من المؤكد أنه اجتهد مع والدتهم في تربيتهم، ويخبر عن جمال روحه احتضانه لابن أخيه اليتيم، من هنا لابد من مراعاة كشف كل الأسباب التي حولت صغار سن في قرية شبة نائية إلى قتلة مجرمين، يرفعون شعار تنظيم إرهابي.

التربية ليست حراسة على الأبناء، والمجتمع والشارع والمسجد مع فضائيات ووسائل التواصل كلها تشارك في التربية بشكل مباشر أو غير مباشر. هل لدينا مشروع متكامل لمواجهة ذلك؟ متكامل هنا نضع تحته خطاً أحمرَ؛ لأن من أخطائنا البحث عن سبب وحيد لقضية تشغلنا، ننسى أسباباً أخرى لو اجتمعت ربما كانت هي وراء سبب لا يرى بعضنا غيره، لكنه مثل رأس جبل الجليد يُخفي أكثر مما يُظهر.

 

 

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.