فخامة السيد مطر

مثل فرقة مطاردة محترفة انسابت قطرات السيد مطر بإصرار لتجرف قشور التنمية، مسحت طبقات الماكياج وفقأت حقن البوتكس مفرزة حقيقة الحشوات، جرت قطرات السيد مطر مسرعة إلى الشقوق ليضع أصابعه عليها مرة تلو الأخرى وسنة بعد الثالثة، وفخامة السيد المطر لا يأتي هكذا فجأة بل يبث مقدمات ومؤشرات، يقدم نماذج مصورة طازجة بالبلل في مدن بلدان مجاورة وقبل وقت مناسب، إنه لا يتربص بالطرق والأنفاق كما يتربص المقاول والاستشاري وإدارة العقود والترسيات.

يجرف السيد المطر المساحيق الباهتة ومعها الشعارات الجوفاء، مثل أعواد القش تتمايل الأعمدة وتتساقط اللوحات، وفي النفق الغريق نكتشف أن مضخات الضخ، التي سبق لها ضخ قدراتها هناك في مكان آخر، لم تشفط حين جاءت لحظة الشفط، فهل لأنها مشفوطة حتى العظم؟

حين يحط السيد المطر رحال قطراته يغيب الاستشاري والمقاول، المنفذ والمتسلم، ويبقى الإداري لصياغة الأعذار من وراء حجاب.

لا يظهر العلم إلا على أوراق الشهادات، يزين الأسماء، يتحول إلى سلم طويل للمناصب، في الهندسة والإدارة على الأرض تتبخر شهادات الدكتوراه وأخواتها، حتى شهادة الهندسة بعلمها المفترض يعلن السيد المطر أنها ليست إلا حلية اجتماعية جرى التوافق عليها، النسخ المتوافقة تنسخ بعضها لذا يتكرر الغرق.

يقدم فخامة السيد المطر تقريراً استثنائياً معلناً من دون تشكيل لجان، لا نحصل على مثله بسهولة، يرددون أنه هطل بشكل استثنائي، لكن عقود التشييد والاستشاري والتصاميم ألم تكن هي الأخرى حازت على كعكة الاستثنائي.

يأتي المطر بسيل استثنائي دعونا نتجاوز القول لنتفق على هذه الاستثنائية، ودعونا نتفق أيضاً أن المدينة جدة أو غيرها ممن حط المطر رحاله فيها ورثت بنية تصريف سيئة فيها من خليط الفساد والإهمال، إصلاحها يحتاج إلى سنوات، حسناً لا بأس، لكن لماذا تفشل الإدارة في الحد من الغرق، لماذا لا يحذر الناس من المرور في طرق معروفة أصلاً أنها حالة «استثنائية» من البلل!؟

عجيب هذا السيد المطر، يسبب غرقاً هنا، لكنه أيضاً يسبب أرقاً حتى لأناس بعيدين ربما عن مساحات هطوله، كل أولئك الذين مروا وأسهموا في هذا الفشل بفعل أو صمت عليه كلهم في حال أرق حتى ولو لم يعلنوا ذلك، قطرات المطر على قلوبهم مثل المسامير المدببة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.