أولويات تركية

من الطبيعي أن يكون الموقف مع تركيا في حادثة إسقاط الطائرة المقاتلة الروسية على الحدود مع سورية، لا أتوقع أن يختلف على هذا اثنان من ثلاثة من العرب، والمختلف بعد تأمل عميق سيعيد النظر، لأن تركيا الأقرب من كل الدول المجاورة للعالم العربي. كل القوميات التي لها حدود مع هذا العالم البائس في معظمه، تركيا الأكثر قرباً وتقبلاً لأسباب ومعطيات معروفة.

بتدخلها العسكري خسرت روسيا الكثير. كان من الممكن لموسكو لو أرادت أن تكسب ببعض من السياسة وقليل من العمل العسكري لتسريع حل الأزمة السورية، استثمار علاقاتها النوعية مع إيران للحد من غطرسة الأخيرة وجشعها، لكنها اتخذت خياراً خاطئاً يصب في مصلحة الغرب ويحقق أهدافه، وتحولت إلى يدٍ مسلحة لإيران وقوة مقاتلة تفتك بداخل الجسد العربي. في المجمل سياسات موسكو تزيد من مأساة العرب في سورية والعراق وتنظف صفحة جرائم الغرب فيهما، وهي الجرائم التي أسست لهذه الحروب وفوضى الحرائق.

لكن موقف التعاطف والتأييد تجاه تركيا في حماية سيادتها وأمنها لا يمكن أن يعمينا عن الأولويات التركية، كما لا يقبل العاقل محاولة التعتيم أو التغافل عن ذلك.

ظهرت أولويات تركيا بشكل مباشر وصريح عند اقتحام تنظيم «داعش» الإرهابي مدينة عين العرب (كوباني) في سورية، حيث بقيت الدبابات التركية الرابضة على التلال المحيطة تراقب -من دون حاجة لمناظير مكبرة- ساكنة، ولم تتدخل لحماية السكان «العرب والأكراد» السوريين. ثم جاء الموقف الصريح الآخر بتصريحات القادة الترك برفض استهداف «التركمان» في سورية، وهذه المرة توّج بإجراء عسكري أسقطت فيه مقاتلة روسية.

حتى هذا يمكن تفهمه، تركيا تحمي «قوميتها» خصوصاً في البلاد المضطربة كسورية. ما لا يمكن فهمه والتغاضي عنه محاولة الاستغفال من البعض عند الدعاية لتركيا، سواء ضد روسيا أو ضد غيرها، حسابات تركيا على الأرض تختلف عما يصدر منها إعلامياً، والأخير يجير لصالح تلك الحسابات.

إن محاولات بعض الكتاب و «المحلحلين» والمواقع لدفع دول عربية، في مقدمها السعودية، إلى مواقف غير محسوبة، هي محاولات مثيرة للاستغراب وتشتم منها رائحة الانتهازية، وهي ليست من السياسة ولا التحليل في شيء، حتى ولو نجحت في استغلال العواطف وصفق عدد أكبر لها.

أكثر ما يضر بتركيا داخل العالم العربي هم بعض من يعلنون «الغرام» بها، لقد وصل الأمر إلى حال من العشق والهيام فقدت معها البوصلة، إنهم من حيث لا يشعرون يضرون بصورتها وقوتها «الناعمة»، سواء كانوا من أدواتها أو لم يكونوا، وهذا ليس في مصلحة العلاقة بل يصب في مصلحة إيران والغرب وروسيا.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.