دليل الفساد!

يفضّل الشيخ مدهن المكوث في البلاد في فصل الشتاء أكثر من بقية الفصول، وهذه السنة زاد التفضيل مع الربيع الأخضر، وليس «الربيع العربي» سيئ الذكر.

مخيم في روضة غناء وسعة صدر، وأمام شعلة النار الملتهبة بحطب يذكره برائحة الأجداد كما يقول تبريراً لتفضيله الحطب المحلي على المستورد، اقترح علي أن أضع استفتاء للقراء عن رأيهم في أحوال الفساد منذ فتح ملف مكافحته، وإنشاء هيئة لتحقيق هذا الهدف باسم نزاهة، هل زادت نسبته، أم تراجعت أم بقيت على حالها؟ ومن خلال أسلوبه التهكمي في طرح الاقتراح أحسست أن لديه تصوراً قد يصل لدرجة اليقين عن صورة ومساحة مناخ الفساد ومدى تأثره بالمكافحة المعلنة.

لذلك سألته عن رأيه فهو أيضاً واحد من القراء ولن يكشف عن اسمه، على طريقة «تحتفظ الصحيفة بالأسماء».

بعد أن عدل من جلسته ونفض الفروة أخذ الملقاط وصار يقلب الحطب والجمر، ثم التفت وهو يبتسم قائلاً مع ليه أو من غير ليه! طبعاً لا بد من لماذا أو ليه لتصبح للرأي فائدة، كان كريماً كعادة إذا ما «اسفهل»، أجاب وكأنه يبوح بسر قائلاً: أعتقد أن الفساد أصبح ممنهجاً أكثر وازداد بشكل نوعي، وتابع… أما لماذا؟ فالجواب أن خريطة المكافحة أصبحت مكشوفة وارتفاع سقفها صار معلوماً، وحينما تتضح لكل المساحة تستطيع وضع الخطط المناسبة.

وبدلاً من أن تؤدي هذه المكافحة إلى الردع بتقديم عينة من الفساد للعدالة بشفافية التوت حول نفسها وعادت إلى مربع التوعية. يعتقد الشيخ مدهن أن الفساد من حيث الأسلوب والمنهجية أصبح أكثر كفاءة ودراية بأقصى ما يمكن أن يحدث للفاسد، سواء كان بالاختلاس أم استغلال النفوذ.. أو غيرهما، في مقابل «الفوائد» المتوقعة.

لحظة «التنوير» هذه لدى الشيخ مدهن من اللحظات النادرة، فلديه تعريفه الخاص للفساد لكنه لا يعلنه حتى للمقربين، فكيف بالكتّاب والصحافيين؟

إلا أنه يمكن استشفافه من كلامه المتناثر، فهو يرى أن الفساد هو ما حصل عليه غيره من دون وجه حق.

حين قاربت الساعة منتصف الليل استأذنت الشيخ مدهن ليودعني مبتسماً وهو يقول: سلم لي على الوازع!

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

تعليق واحد على دليل الفساد!

  1. سأستبق قراءة المقال بل زادت وكأننا قبلنا بالضيف الثقيل ” فساد ”
    وتأقلمنا معه كمرض مزمن
    أما الفاسد فعرف ان ” ما بالحمض أحد” !

التعليقات مغلقة.