الأنانية و«الأنامالية»

أعتقد أن المصريين هم أول من نحت هذا المصطلح «الأنامالية»، ومصدره من لهجة أرض الكنانة «وأنا مالي»! مع علامة استنكار ضخمة بحجم أبوالهول. ولم أجد في لهجاتنا ما يطابق هذا المصطلح بكلمة واحدة، لكنه يعني «مالي علاقة»، «مهوب شغلي». وفي أغنية محمد عبده الشهيرة «مالي ومال الناس» توضيح أكثر لمن لم يصل إليه المقصد.
و«الأنامالية» لا تختلف عن الأنانية إلا بقدر شعرة، الفرق هنا في درجة «فوران» الأنانية، لأن هناك منها ما هو غازي وما هو عادي، فالأخيرة «الأنانية» تعني أن تكون مصلحتك الشخصية هي المحدد الأوحد لكل تصرفاتك وعملك وتعاملك، حتى ولو كانت على حساب مصالح أخرى من دون عدل أو توازن أو نظر في عواقب الأمور، فإذا كنت تعيش في ربيع مخضر فإنك لا ترى أن هناك من يعيش تحت لهيب الشمس، حتى ولو شاهدته بأم عينك غير بعيد عنك، فتغني طوال اليوم والليلة عن الربيع والأزهار، وإذا كان لديك – على سبيل المثال – سكن لا يهمك من يتهدده المبيت في الشارع، يعنينا هنا العمل في الشأن العام والاهتمام به، والذي يمس المجتمع والسواد الأعظم من الناس. «الأنامالية» درجة أقل بشعرة، وهي ألا تتحرك حتى من باب أضعف الإيمان للإشارة والتنبيه والتحذير من خطر قد لا يمسك بشكل مباشر، لكنك ترى أن من مصلحتك «الأنامالية» عدم الخوض فيه، فضلاً على تأييده، ويسكن في هذه الدائرة الكثير، خصوصاً من الموظفين، كباراً وصغاراً، فهم حريصون على عدم تحريك ساكن حتى لو بدا لهم ضرره الحاضر أو المستقبلي واضح المعالم، إلا إذا جاءهم توجيه من رؤسائهم للبحث فيه، أو ارتفعت أصوات المتضررين منه لتصل إلى أعلى، وقد يكونون متمصلحين من واقع ما أو غير متمصلحين.
و«الأناملية» أكثر خطورة من «الأنانية»، لأن الأخيرة مفضوحة مكشوفة، لكن الأولى تقوم بحضانتها وتغذيها لتضفي عليها صبغة السلوك الطبيعي وغير النشاز.
والحذر من وقوع المجتمع بين فكي «أنانية» و«أنامالية»، لأن في ذلك إعلاناً لضياعه، ومؤشراً جلياً على استفحال جشع مع تبلد إحساس. شق يتسع بمرور الزمن وخسارة محققة للجميع.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.