مبالغات لا تنتهي

واحدة من مشكلاتنا الاجتماعية هي المبالغة وما فوقها أيضاً، لنا الصدر والصحن أيضاً!
قديماً كان تفطير الصائم في المساجد يتم ببساطة، دلة قهوة وتمر وماء يفطر عليها جميع من في المسجد إما عابر سبيل أو عمال من الحي، حتى إن شراب الفيمتو كان حالة استثنائية وغريبة.
تطور الأمر إلى ما نراه الآن من مبالغات في التنويع في الكم والكيف والإسراف، ولهذا أسباب في تقديري منها أن البعض من المحسنين أوكلوا الأمر إلى وكلاء من دون ضوابط، فلا يحكم العملية إلا المبلغ المرصود الذي يمكن زيادته بطلب مزيد من التبرعات وهكذا، ومسألة المحتاج للإفطار من غير المحتاج، غابت وسط الازدحام، ولتزايد حجم «السوق» زيادة عمالة واتساع المدن دخل التجاري إليها بصنوف من العروض وأساليب التسويق الذي لا يتوانى عن استغلال الجانب العاطفي الديني الخيري، وما يحدث في تفطير الصائم من إسراف وعدم تحرٍّ مماثل لما يحدث في إخراج زكاة الفطر ليلة العيد.
ولأن الظواهر لدينا تترك كما هي لتتشكل بفعل اجتهادات ثم توكل إلى عمالة أو موظفي مطاعم لإدارتها، تتضخم فتصبح موجة جارفة للتقليد، فإن المبالغة تتبعها مبالغة أكبر.
والصورة أن نمط الإسراف الاستهلاكي الذي لا يخلو من تفاخر نقل إلى تفطير الصائم وقدمت صورة الضيافة المنزلية عند البعض للمشهد العام على سجاجيد المساجد، فكان من الطبيعي أن تخرج العمالة بأكياس من أنواع أطعمة ويوضع الفائض في أقرب برميل.
وإذا نظرت إلى استخدام المياه المعبأة في المساجد أيام الشهر الفضيل سترى العجب، وكأن هناك دفعاً لاستهلاك أكبر كمية منها حتى ولو لم تفتح أغطيتها، يصف البعض عبوات المياه الصغيرة والمتوسطة أمام المصلين لتتحول إلى ما يشبه المطبات الصناعية، مع أن هناك برادة تكفي لوضع القوارير ليذهب إليها من يريد، والسبب أنه ليس هناك إدارة ضبط ولا توجيه، والحل ليس صعباً إذا ما وظف الإمام والمؤذن لتحسين هذه الإدارة، أما نوعية الإفطار فيجب تحديد أصنافها بحيث لا تتحول إلى وليمة دسمة لا تليق بدور العبادة ولا بمقاصد وروحانية الشهر الكريم.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.