القابلية للاستدراج!

من المثير للعجب أن مفكراً بحجم الدكتور عبدالله النفيسي للتو أدرك أن المواجهة مع «النظام الدولي» غير متكافئة وتقود إلى هزيمة حتمية! وأن التعايش معه والتفاوض معه هو المخرج الوحيد، واستدارة المفكر هنا أو توقيت بزوغ نور الإدراك جاء مع استدارة السياسة التركية في المنطقة والانقلاب الفاشل الذي أعقبها.
المفكر ضحى بنفسه أو بتجربته ومن يؤمن بأفكاره من أجل الحفاظ على النموذج «الصلب» الذي هو هنا تركيا أردوغان، وسبب الاستدارة أن النموذج الذي تم النفخ فيه تعظيماً له وتقليلاً من قيمة ما سواه ظهرت هشاشته من الداخل خلال ساعات صدمة الانقلاب الفاشل، وثبت أن من صور على أنه المنقذ أحوج ما يكون إلى الإنقاذ، وقبلها ظهر عوار وضعف استراتيجيته السياسية في المنطقة مع اضطراره للاستدارة الكاملة والعودة للمربع الأول بعد سنوات من الحشد العاطفي بكل أثمانه الباهظة عربياً بالدرجة الأولى.
من حق تركيا وحزب العدالة والتنمية فيها الحفاظ على مصالح الدولة والشعب والحزب، بعد انكشاف انسداد الأفق السياسي. لكن نجاح تركيا الاقتصادي المشهود لم يمكنها من نجاح سياسي في محيطها خصوصاً في سورية والعراق، وعلى رغم حضورها القوي بخاصة في سورية ودخولها المبكر جداً على خط الثورة والأزمة السورية، لم تتمكن لسنوات من مواجهة النفوذ الإيراني إلى أن وصل الروسي وخلفهما الأميركي والأوروبي.
الإدراك المتأخر هنا لا يمكن تبريره من مفكر لأن خطط «النظام الدولي» في المنطقة معلنة بالصوت والصورة، من حرب الأفكار إلى الفوضى الخلاقة المطرزة بـ«الربيع العربي» لتأسيس الشرق الأوسط الجديد والإسلام «المعدل» حسب المقاس الأميركي – الإسرائيلي، وإلا ما الفرق بين المفكر والفقيه والواعظ عن الآخرين.
إن الحرص على «الأمة» لا يأتي بالاندفاع والتحول إلى أدوات صغيرة في مخطط «النظام الدولي» من دون إدراك، وواجب المفكر الحريص هنا على الأمة كما هو واجب الفقيه كالشيخ القرضاوي والوعاظ المؤثرين وهم كثر أن يخافوا الله في أتباعهم وأوطانهم والمتأثرين بكل كلمة يقولونها أو يخطونها، وألا يكون هدف إغاظة الخصم الداخلي مبرراً لمزيد من استدرار وحشد العاطفة الحمقاء، وأن يعيدوا التأمل في فقه المآلات، فهذا لا يصح قبوله من نخب مفكرة أو تدعي ذلك أو ينتظر منها أتباعها مثل ذلك، والمفترض أنها على دراية أعمق وتجربة أكثر ثراءً، والسؤال إلى متى تؤخذ الجموع إلى طريق الهاوية؟ وإلى متى إدمان القابلية لاستدراج لا يختلف فيه اندفاع القائد عن الأتباع. ومثلما أن الإدراك – حتى المتأخر – إيجابي ومن الأمانة إعلانه بوضوح وحتى لا تكون أمانة انتقائية، يجب أن يشمل كل الأخطاء ومظاهر الفشل، فالاستدارة هنا مطلوبة أيضاً بقوة من جماعة الإخوان المسلمين وأحزابها المنتشرة والمتعاطفين معها أو مع مظلوميتها، أليست «الأمة» في خطر ومصلحتها هي الهدف الأسمى، الذي يتم التضحية من أجله كما تعلن نخبها! أليس الحد من خسائر الأمة وقد تكالب عليها القاصي والداني أولوية قصوى تطيح بكل أولوية عداها.
وإذا لم تتم مثل هذه الاستدارة عاجلاً ستتحول الجماعة وأحزابها إلى عبء أكثر ثقلاً على سندها القوي، وهو يعاني الآن ويخاف عليه من التآكل الداخلي مع ضغوط ستزداد من «النظام الدولي»، بما سيحتم – على هذا السند – الاستدارة عنها هي أيضاً، لترمى مثل ورقة سورية، والقائد المنتظر للنظام الدولي دونالد ترامب في الطريق إلى البيت الأبيض، وهو قد أعلن الخطوط العريضة لسياسته في المنطقة المنكوبة، والله المستعان.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

تعليق واحد على القابلية للاستدراج!

  1. عبدالرحمن الروضان كتب:

    اخطر ما يواجه الأمة والمنطقة المنكوبة مثل هكذا من يعتبرون أنفسهم مع اتباعهم مفكرين في استدرار واستلاب عقول الاخرين وهم في الأساس مشتتي الفكر والراي للوصل الي مبتغاهم الغير عقلاني وتاريخهم يثبت ذلك ك د عبدالله النفيسي ومجايليه التي تكشفت توجهاتهم التي لا تخدم الاسلام والعرب باي شكل من الاشكال

التعليقات مغلقة.