القابلية للتصديق

الرسائل الدوارة في وسائل التواصل والإعلام الجديد أصبحت أكثر قابلية للتصديق – لدى المتلقي – أكثر من الشك في صدقيتها، والقصد تلك الرسائل غير الصادرة عن مصدر موثوق، تلك المتراسلة حتى إن بعض هذه الرسائل تكون قديمة ويعاد بث الحياة فيها من خلال إعادة تدويرها.
في السابق كان تعامل المتلقي مع مثل هذه الرسائل ومعلومات تحتوي عليها أقرب إلى الشك فيها ومحاولة التأكد، الآن يمكن القول إن كفة التصديق أصبحت أكثر رجوحاً، والسبب لم يولد بالأمس ولا قبل أمس.
وفي ما يتعلق بأحداث محلية أو أخبار «غير دقيقة» عن خدمات أو جهات رسمية، أصبح الرسمي «المسؤول» يشتكي من أن النفي الذي أصدره لا يجد رواجاً مماثلاً للخبر أو الرسالة غير الصحيحة، بل إن إعادة تدوير القديم تستلزم نفياً جديداً ويمكن استخدام الأول سلاحاً «متجدداً».
ومن أسباب هذا الواقع الإعلامي التطنيش الذي مارسته أجهزة رسمية زمناً طويلاً تجاه الإعلام، والمتابع يتذكر أن الأجهزة الحكومية مكثت فترة طويلة لتطبق وتوظف متحدثاً رسمياً باسمها، على رغم توجيهات عليا لتطبيقه، ثم حضرت قدرات وإمكانات هذا المتحدث واستيعابه للدور مع إعلام متغير ومتوالد، وأدى هذا إلى تراجع الثقة تراجعاً كبيراً.
في الجانب الآخر، كان سقف الإعلام المحلي (صحافة ووسائل أخرى) منخفضاً ومتحفظاً، نتيجة لضغوط الرقيب أو العلاقات الشخصية وأحياناً بسبب الإعلان. وفي العمق لم يتم تطوير الإعلام لا من المؤسسات الصحافية ولا من وزارة الإعلام، بل بقي متقزماً كما هو في مقابل تعملق وسائل الإعلام الأخرى وسرعة توالدها.
القارئ لم يعد يذهب إلى الوسيلة الإعلامية بل تصل إليه في هاتفه الجوال، ولم تعد هناك رقابة تفلتر ما ترى أنه صالح وغير صالح.
والتطوير في الصحافة والإعلام كان في حاجة لقائد استراتيجي بفكر ثاقب يستشرف المستقبل، لكنه لم يوجد لأن القناعة كانت في ما يبدو وقتها أن لا حاجة لذلك، وكان من المأمول أن تقوم هيئة الصحافيين عند نشأتها بدور في تطوير الصحافة «ركيزة الإعلام»، وبالتالي تحقيق مكاسب إعلامية ستصب في مختلف الوسائل، لكن هذا لم يحدث لأن الهيئة منذ تدشين شروطها «التعجيزية» واحتكار إدارتها من «نفر» محدود ولدت ميتة وتحولت إلى منصب ووظيفة، وبقيت حقيقتها عقاراً مهجوراً في طريق الملك فهد، فهي وجدت «حلية» إعلامية لا غير، وثبت بعد شهور من انطلاقها أنها حلية «فالصو». هذا الوضع لم يتحرك لإصلاحه في وقته الجانب الرسمي ممثلاً في وزارة الإعلام، ولذلك نعيش الآن الواقع أعلاه.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.