زمن الشفافية

الشغل الشاغل للرأي العام ليس انخفاض أسعار النفط، وأثر ذلك في الحياة الاقتصادية والمعيشية، مع أهميته ومساسه بحياة فرد تعوّد لفترة طويلة على دخل شبه ثابت، ثم يجد نفسه فجأة في وضع مختلف من جميع الاتجاهات. ومع أهمية ذلك وحساسيته، فإن ما يشغل الرأي العام أكثر من هذا هو حاجة ملحة إلى معرفة أين نحن، وإلى أين متجهون؟
هناك حاجة إلى المصارحة والمكاشفة حول الخطط الموضوعة ومدى صلاحيتها للتطبيق في ما يخص «التحول» و «الرؤية» وحقيقة من يعمل عليها ومدى قدراته على إنجاز الخطوط العريضة المعلنة، وإلى أين وصل في ذلك؟
ومنذ خروج وزير الخدمة المدنية مع وزير المالية السابق، ونائب وزير الاقتصاد والتخطيط في برنامج «الثامنة مع داود» بعد ضغوط كبيرة من الرأي العام لم يظهر أحد للتفاعل مع ما ينشر ويتداول على رغم ضخامة الموجة، مع أن هذا كله هموم وطنية مشروعة، بل إن الاهتمام بها ورفع رايتها واجب وطني.
لا يعقل مع جيوش المستشارين في كل وزارة، خصوصاً وزارة الاقتصاد والتخطيط، ألا يكون هناك فريق من المعنيين الرسميين في مختلف محاور الخطط المعلنة ليظهروا للرد على كل تساؤل، والحديث أيضاً عن نتائج ما طبق حتى الآن واحتمالات المستقبل، كأن هذا الجسم الضخم الظاهر الخفي لا صوت له ولا لسان.
هذه الحال من الصمت وعدم الحضور الإعلامي الفاعل تثير مزيداً من الاستفهامات ولا تبعث على الراحة والاطمئنان. وليست المطالبة هنا بناطق رسمي لوزارة الاقتصاد والتخطيط أو مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، بل بحضور فريق كامل يكون شغله الشاغل التجاوب مع ما يثار ووضع الرأي العام في صورة ما تم وسيتم في كل مرحلة ونتائجه المتوقعة والصعوبات المحتملة. هذا أدنى درجات الشفافية المنتظرة في عمل ضخم يمس الاقتصاد الوطني ويعني كل مواطن.
ومن المستغرب ألا يكون هذا ضمن خطط فرق الاستشاريين «العالميين» وشركائهم المحليين! هل يعقل أن يغيب هذا عن الاهتمام، أم إنه لم يكن ضمنه أساساً! والذي يتذكر الزخم الإعلامي المصاحب إعلانَ «الرؤية»، الذي استخدم فيه معظم المشاهير في وسائل التواصل على مختلف مجالات شهرتهم، حتى الفنانين والشعراء الشعبيين، وكيف كان الوقع قوياً. من يستحضر ذلك لا شك يندهش من صمت مطبق طال زمنه، ومثل هذا الوضع أقل ما يقال فيه أنه غير صحي، بل هو مناخ وبيئة خصبة لانتشار وتناقل كم كبير من الإشاعات والشحن السلبي.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.