من غشنا!

الغش هو عين الفساد وأصله، إلا أن صورته التي ترسخت في الأذهان حتى أصبح لا يعرف إلا بها هي صورة الغش في البيع والشراء، لكن هناك غشاً أخطر منه.
في السلع الغذائية برزت على السطح أخيراً قضية الدجاج الفاسد «منتهي الصلاحية»، شاحنات بعضها استطاع الانطلاق من مستودعات في بريدة بالقصيم تحمل أطناناً من الدجاج غير الصالح للاستهلاك الآدمي، وبعض آخر تم إيقافه قبل الانطلاق، تم هذا نتيجة بلاغ غامض، تردد أن خلافاً عمالياً وراءه. وكالعادة تحولت صور طمر الدجاج الفاسد إلى إنجاز احتفت به جهات رسمية، في حين أن مكمن الخلل لم يناقش أو تبدو مؤشرات علاج له، فماذا لو لم يحدث بلاغ من داخل دائرة العمالة؟ لن نعلم شيئاً في غالب الأمر حتى لو انقلبت شاحنة منها، وهو ما يكشف ضعف وعدم حضور أجهزة الرقابة على الغذاء، ما يستدعي النظر في جدوى تخصيص موازنات وموظفين لها. والشركة الضخمة المنتجة للدجاج «الوطنية» أعلنت في بيان لها عن خلو مسؤوليتها، إذ إن المخزون محل القضية تم تسليمه بحال صالحة وقبل أشهر، ما يعني بحسب هذا أن المسؤولية انحصرت في المنشأة المالكة لثلاجات التخزين والتي لم يذكر اسمها. وفي قضايا فساد غذاء أخرى العديد منها في الماضي وصل إلى حد الإدانة بالمحاضر وتم السكوت عنها من دون رادع قوي.
لكن في هذه القضية يستغرب المرء أن شركة كبيرة مثل الوطنية ليست لديها آلية لتتبع الشحنات الضخمة، طبيعي أنه لا يمكن لشركة أن تلاحق دجاجة من منتجاتها بعد خروجها صالحة من المصنع أو المزرعة إنما في وضع رقابي «مائع» مثل هذا وحفاظاً على صحة الناس وسمعة المنتج لا أعتقد أن الأفكار جفت لتقف عند…، هذه حدود مسؤوليتنا! ونحن نتحدث عن كم ضخم من الأطنان وفي منطقة يقع فيها مقر الشركة المنتجة!
ومع أهمية ردع الغش في الغذاء، إلا أن هناك ما يماثله في الأهمية بل يتفوق عليه، وهو الغش في الأفكار، بتجميل القبيح وصرف النظر عن الجيد، وتعلية شأن المعطوب، مع إيجاد المخارج والمسوغات للف والدوران، الغش في النصيحة من المستشار والمسؤول لصاحب القرار هو أكثر خطورة، لأنه يولد واقعاً مزيفاً خطراً له من النتائج طويلة الأمد ما لا تحمد عقباه.
وحين أمر الرسول الكريم عليه وآله أفضل الصلاة والسلام بائع الطعام أن يضع ما أصابه البلل فوق الطعام المعروض حتى يراه الناس، لا أن يخفيه تحته. بين حقيقة الغش. الغشاش يظهر للناس أجود ما في البضاعة مخفياً المعطوب والفاسد في جوف الصندوق بعيداً عن العيون، معتمداً على جاذبية الواجهة متعمداً الغش في أصل عمله وجوهره.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.