السيول… اهتمام موسمي

هناك سلسلة طويلة من الحلقات هي المسؤولة عن الإخفاق، تبرز وتتجلى قوة حلقات هذه السلسلة عند تكرار الفشل، ما يعني أنها متينة وراسخة. والقضية ليست مسؤولية فرد أو أفراد بقدر ما هي أنظمة لم تطبق ولم تطور، هي بوصلة الوجهة. في قضية تصريف الأمطار المشكلة من شقين، الأول أخطاء تخطيطية وتمدد غير مدروس «إلا من زاوية الأرباح العقارية»، مع تعدٍ على الأودية، مضاف إليه سوء تنفيذ بنية تصريف في قدرتها الاستيعابية، وتهالك وتأخر في لحاقها بالتمدد العمراني، وهذا كان واضحاً منذ سنوات بعيدة، والمحير أنه استمر العمل به مع كل الإنذارات التي أرسلها المطر على فترات متباعدة!
الشق الثاني ضعف منظومة الوقاية من الخطر من ناحية القدرة على التنبؤ والتحذير الباكر، مع الجاهزية لتحديد المواقع الأكثر خطورة والاستعداد الباكر لتجنب الخسائر البشرية والمادية. والحلقات المتشابكة في شقها الأول تبدأ من وزارة التخطيط والشؤون البلدية، «بما فيها من أمانات وبلديات»، مع حضور قوي لوزارة المالية في مسألة تخصيص الأموال للمشاريع وفعالية مراقبة صرفها في وجهها الصحيح. فإذا وضعنا في صورة المشهد أن لا محاسبة تذكر هناك، وأنه «عفا الله عما سلف» هو العرف السائد حتى لو شكلت لجان للتحقيق، يمكن تصور كيف تضخمت المشكلة.
والحقيقة أن الثقافة التي طورت أو قادت تمدد المدن هي «ثقافة العقاري التجاري» وخضعت لها أو سايرتها وتناغمت معها الإدارات الرسمية، بما فيها من إدارات هندسية واستشاريين أجانب أو محليين وكتابات عدل، ليتم لاحقاً استنساخ ذلك في المدن الصغيرة. وسط هذه البيئة الحكومية فإن ما حدث من كوارث عند هطول أمطار شديدة هو أقل من المتوقع في نظري، فما زالت رسائل المطر حنونة. وسبق لي وطرحت سؤالاً يقول: هل تفكر الحكومة أو تستطيع التفكير؟ وهي المشكلة من مسؤولين لا يستطيعون بحكم الارتباطات «وكثرة توقيع الخطابات» التي أضيفت إليها حفلات مذكرات التفاهم البينية، حتى يخيل إليّ أن الإدارات داخل الوزارة نفسها ستحتفل مستقبلاً بتوقيع مذكرات تفاهم بينها! مؤكد أن مسؤولاً مشغولاً بكل هذا لن يجد وقتاً للتفكير «أو التدقيق في ما يعرض عليه» إذ انصرف إلى ما هو مشغول به، وكل من حوله منشغل بما هو مشغول به لإنجاز عمل ذلك اليوم، وربما يوماً بعده أو أسبوعاً في أقصى حالات التفاؤل.

 

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.