77 أو مادة التبخّر

كان العذر الرئيس للقطاع الخاص في تمنعه عن التوطين هو نظام العمل، وعدم قدرة رب العمل على فصل الموظف السعودي بسهولة، مع صلصات عدم جدية المواطن وكسله وتعطل «ساعته» الإنتاجية. وتمّ «استثمار» هذا العذر طويلاً مع أن فيه وجهاً من وجوه الحقوق لصاحب العمل الذي لا يفكر إلا في مصلحته، علماً أن من مسؤوليات وزارة العمل الحفاظ على مصلحة الموظف.
ونشأ عن هذا التمنع الطويل أن القطاع الخاص حصل على دلال فائق المستوى «ولا في الأحلام»، وعلى مراحل وكله بعذر التوطين ومكافحة البطالة. تحت هذا العنوان قدم صندوق الموارد البشرية هدايا على طبق من ذهب بدفع نصف رواتب من يوظفهم القطاع الخاص وتم التغاضي عن التوظيف الوهمي فترة طويلة من الزمن رغم سهولة الوقوف ضده، وبعد ذلك قامت الحكومة ممثلة بوزارة العمل بتوفير أيدٍ عاملة رخيصة للقطاع من النساء بزجهنّ في سوق العمل من دون نظام واضح يحفظ حقوقهن المادية والمعنوية، ثم جاءت حقنة التخدير الشهيرة بـ «حافز».
ويقيناً، فإن القطاع الخاص استطاع امتصاص الفوائد من مشكلة البطالة حتى العظم، ثم قام بعرش هذا العظم وطحنه تحت أسنانه القوية، فاستطاع تحويل المشكلة إلى فرصة «استثمارية». وحينما استنفدت كل «الدعومات» المالية وشبه المالية، ظهرت مادة 77 كواحدة من مواد التعديل للنظام، ولا أعتقد أنه تم دسها في الظلام بل مرت بالمراحل التي تمر بها الأنظمة، لكن فكر القطاع الخاص «المصلحي إلى درجة الجفاف» كان متوثباً ينتظر الفرص في دهاليز الحكومة. وقد جاء زمنه للتوجيه الكامل بعد فترة من التوجيه الجزئي.
تقول وزارة العمل أن المادة 77 صدرت بمرسوم ملكي، وهي مادة «باقية»، لكن يمكن تعديلها بمرسوم ملكي متى ما رغبت وزارة العمل في ذلك واجتهدت فيه كما اجتهدت بزرعها.
هل المادة 77 هي المشكلة؟ نأخذ الجواب من وزارة العمل، حيث قال نائب الوزير د. أحمد الحميدان أنه «لا يوجد نظام لا يمكن استغلاله في شكل سيئ»، انتهى.
والسؤال هو هل الوزارة قادرة على إيقاف الاستغلال السيئ لهذه المادة؟ طبعاً لا أعتقد بقدرتها على ذلك حيث وضعت «الفصل الجماعي» نموذجاً ربما وحيداً كاستغلال للمادة!
إن ما يجب على الوزارة العمل عليه هو فحص من يقرر الفصل ومن يفصل ومن يبقى محصناً ضد الفصل، وهي تستطيع أن تراقب وترصد تركز جنسيات معينة في قطاعات مختلفة وتزايد هذا التركز من المصارف إلى غيرها من قطاعات. لكن هذا العمل النوعي لا يتوقع أن تجيده وزارة العمل. لذلك، سيستمر «الاستغلال السيئ» مثلما كان أيام التوظيف الوهمي والحصول على الدعم المالي، وعلى المتضرر اللجوء إلى البسطة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.