المفاطيح ليست للبطون

صحيح أن بعضها يذهب إلى البطون، لكن هدف المفاطيح هو إشباع العيون قبل البطون!
المفاطيح لمن لا يعرفها هي الذبيحة تطبخ وتقدم شبه كاملة للضيف، وعلاقة مجتمعنا مع المفطح قديمة، جذورها البعيدة ربما كامنة في الجوع القديم ومعه الأكل الجماعي حول صحن واحد، لكنها تحولت إلى تفاخر مع الطفرة وجرياً وراء المحاكاة، وفي سباق وهم الكرم لم يعد المفطح الواحد كافياً لإشباع العيون، بل لا بد من عدد من المفاطيح تجتمع أحياناً حول سنام الحاشي!
في بداية عملي بالصحافة أجريت حواراً مع المفطح في مجلة «اليمامة»، باح فيه ببعض ما يختلج في لحمه وشحمه وعظامه، ولم يتغير شيء يذكر من عادات المجتمع في الضيافة، والمشكلة أنه حتى غير القادرين على «التفطيح» يضطرون إليه، هرباً من العيب الاجتماعي والألسن الحداد، وكثير منهم يستدين، فَيُدَوّن اسمه في «سمة»، لحفظ ماء الوجه!
والمفطح – بوضعه على صحن من الرز على طريقتنا – لا يمكّن الآكلين من الأكل إلا بالنهش، شكل من أشكال الصيد إنما في الصحون، ويبقى الكثير منه منهوشاً لا تقبله وتمسه أيادي آخرين، وقد يرمى في النفايات!
فنحن مع أننا من أكلة اللحوم إلا أننا لا نعرف سبل حسن تدبيرها، فيضيع منها غالبها! وحينما حل «البوفيه» أسلوباً جديداً لتقديم الأكل للضيوف بقي المفطح حاضراً على الطاولة، وعلى رغم أن كثيراً منا لا يستسيغ الإسراف في الولائم إلا أنه قد يحز في نفسه «شيء» إذا تمت استضافته ولم يقدم له مفطح!
الجديد في تطور مفاطيح الولائم أنها أصبحت تُصَوَّر بصور ملونة، وتُبث في وسائل التواصل، مع أن تصوير ضيف وهو يأكل أجد فيه «منة» عليه أكثر منها تقديراً له.
الحديث عن الإسراف في الولائم ما أكثر منه، والوعظ حوله لم يحقق أثراً يذكر، لا في أحوال الرخاء ولا في أحوال «الترشيد»، لأسباب كثيرة، منها أننا نقول ما لا نفعل، ونحن بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في مفهوم الكرم والتكريم والتقدير لدينا، المفهوم الذي ترسخ في نفوسنا أنه مرتبط بما يوضع على المائدة. والأمر فيه توسط، فنحن أمة وسط، لكننا لم نعثر على هذه الوسطية حتى اللحظة!

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.