من عامل إلى استشاري

معروف أن سوقنا ورشة كبيرة لتعليم وتدريب وتخريج العمالة، ويمكن وصفها بالورشة العالمية للتجارب والتأهيل.
يأتي العامل من بلاده «في مختلف المهن» ليجد حاضنة من أبناء جنسيته تتلقفه، ولعدم وجود نظام مهني يدقق ويفحص في كفاءة المستقدمين، تتولى الحاضنة التهيئة والتدريب، يتعلم العامل ليصبح معلماً بعد سنوات، هذا في المهن العادية، وستجد مثلها في الأعلى مستوى منها، الفرق أنها في هذه الفئة مطرز بشهادة «علمية» لا يفحصها أحد في الغالب الأعم.
البيئة الحاضنة هي التي تدرب وتعلم وتدفع هذا العامل أو «المهندس» إلى مسك الجادة، ليصبح رقماً صعباً في القوى العاملة، وينضم إلى شبكة مترابطة تسيطر على قطاع ما، وبدلاً من أن يتم إصلاح هذا الخلل الكبير، تم استقدام الاستشاري الأجنبي ليتعلم هو الآخر، لكن البيئة الحاضنة لهذا الاستشاري مختلفة، فهي بيئة رسمية مزينة بعقود مكاتب استشارية، ومحاطة ببعض الأكاديميين السعوديين، أغرتهم الرواتب العالية فأصبحوا جزءاً من هذه العجلة المستعجلة.
القصص لا تنتهي عن الاستشاريين، الذين يأخذون «غريف» وتجربة الموظف الحكومي، ثم يعيدون صياغتها على أوراقهم لتصبح خطة جديدة باهرة.
الطريف أن هذا الموظف الحكومي ربما يفقد عمله بعد فترة قصيرة من اجتماعات امتصاص تجربته، فلم يعد له حاجة.
والسؤال لماذا لم تؤخذ هذه الخبرة بما فيها من «العوائق والعقبات» التي تعرفها الخبرة المحلية خير معرفة من مصدرها مباشرة من دون اللجوء إلى استشاري مستقدم، هل كان هذا عصياً على الفعل؟ طبعاً كان هذا يحتاج إلى جراحة لا إلى عملية تجميل، لذلك فالتفسير الوحيد لاختيار هذا الخيار أن المسؤول «ما له خلق»، لذلك وضع بينه وبين النار… استشارياً. كان المطوع – في المحكي الشعبي – هو من يوضع بين الفرد والنار، فلحقه الاستشاري الأجنبي كوقاء من نار الفشل، وعند فشل الخطط سيلقى اللوم على الاستشاري الذي أكل الفطير وطار، ويمكن له مستقبلاً أن يظهر في وكالة أنباء أجنبية ليتحدث عن سوء تطبيق خططه الطموحة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.