رحم 11 سبتمبر

توالدت من هجمات 11 سبتمبر الإرهابية الكثير من التحديات الجسام، بل إنها تحولت إلى ماكينة تولد مصيبة «مصنوعة» كل فترة، ولم يتم العمل كما يجب للحد من أخطار توابع الهجمات وتداعياتها على استقرارنا وعلى استنزاف مواردنا، إذ استخدمت هذه الهجمات كذريعة لما يسمى الحرب على الإرهاب، وهي حرب خبيثة موجهة تستخدم الإرهاب أكثر مما تكافحه، حيث أصبح الإرهاب دجاجة تبيض ذهباً للدول الكبرى، ومساحة مناسبة لعمل الاستخبارات المعادية، إذ فتح لها الباب على مصراعيه للابتزاز وتحريك الدمى والتدخل بصور مباشرة وغير مباشرة، ولم يكن عدم الاتفاق على تعريف دولي محدد للإرهاب إلا مخزون ذخيرة متجددة وقت الحاجة.
أعود إلى ما تطرقت إليه في مقال الأمس، عن مسببات سهولة استقطاب الجماعات والتنظيمات الإرهابية للشباب بمختلف مسمياتها، والمحركات التي تتخلق على يديها ثم تدمرها ما أن تنهي الوظيفة.
إن العاطفة الدينية المشبعة بصور صفحات التاريخ الإسلامي الذهبية في مقابل وضع متردي لحال المسلمين الآن، وفي مقدمتهم العالم العربي، هي أهم ثغرة يؤتى منها الشباب، سواء أكانوا متدينين أم غير متدنين، وإذا ما أضيف إلى هذا الضخ الإعلامي ما يحدث للعرب والمسلمين من جرائم بشعة على يد إيران أو غيرها، كما حدث في غزو العراق ويحدث الآن. في ظل هذا الوضع كانت «وما زالت» البيئة خصبة ومناسبة جداً للاستقطاب، وإذا ما تأملنا الواقع الحالي فلم يتغير شيء سوى أن الشحن العاطفي خف قليلاً، ومن الممكن أن يعود ما أن يحصل على رافعة جديدة، فهو مؤهل لظهور تنظيمات إرهابية جديدة يعاد استخدامها لتدمير الحواضر السنية ولمزيد من التفتيت.
إن تحصين الشباب يستلزم توظيف هذه الطاقة العاطفية في الاتجاه الصحيح، وزرع الأمل والإقناع بأن العنف المسلح ليس السبيل المناسب، وأن للقوة والريادة والمجد مصادر متعددة «نظيفة» هي في هذا الزمن أكثر تأثيراً وأمضى سلاحاً وأدنى خطراً في ثقافة العالم، على رأسها قوة العلم وابتكار واكتشاف المفيد للبشرية، ولن يتحقق هذا النجاح إلا بتوفير بيئة مناسبة جاذبة ومتطورة لتفريغ هذه الطاقات في اتجاهها الصحيح، أما الحرب الإنشائية ضد «الفكر المتطرف» وتنظيماته فلن تحقق نتيجة مرضية.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.