اليأس والكأس

طوال سنوات كانت هناك محاولات حثيثة للجم الكتابة والنشر عن الفساد، وكانت بيئة الأعمال والنشر الصحافي مع أسلوب عمل أجهزة رقابية حكومية عوامل مساعدة في ذلك، فالصحف أسيرة للإعلان، وبيئة الأعمال متشابكة تربطها مصالح، والأجهزة الرقابية الحكومية في حالة سبات عجيب غريب، فمع انعدام شفافية لا قدرة للحصول على معلومات «موثقة» للصحافة أو رد معتبر على أسئلة، وكانت بعض قضايا الفساد الصغيرة نسبياً مقارنة بالحملة القائمة الآن على الفساد، وعلى رغم إبرازها على السطح، تصطدم بحواجز، وإذا ما وصلت إلى جهاز رقابي لم يعد بالإمكان معرفة ما تم بصددها، لكن المشتبه به لا يزال يعمل بنشاط.
في جانب آخر، كان هناك حث ودفع ظاهره إيجابي، لكن باطنه مريب ومخاتل…، حث على التفاؤل، استخدم التفاؤل والتشاؤم مثل سلاح ناري، فمن ينتقد بحثاً عن الإصلاح والصالح العام يصنَّف متشائماً، ليوضع في قائمة من لا يرضيه العجب ولا الصيام في رجب! وتقدم له دائماً وصفة «انظر إلى نصف الكأس أو الكوب الملآن»، هي وصفة ظريفة لطيفة، غرضها الإرجاء وصرف الانتباه، كان من أهداف الحديث عن نصف الكأس الفارغ الحرص على ما تبقى في قاعه، والتنبيه إلى ما تبخّر منه، ولم يكن سراً أن من يساهم في نهب النصف، عيناه جاحظتان على النصف المتبقي، ولو كان الأمر بيده لخطف الكأس ولحسه وللآخرين العطش.
إن الحملة المظفرة على الفساد فيها دروس وعبر، ولتكتمل إيجابياتها لا بد من إعادة هيكلة أجهزة الرقابة الحكومية، وضمان عدم خضوع أعمالها لأية محاولات إحباط أو تحييد. كما أن هناك صوراً مختلفة من الفساد، وإن كانت أقلَّ أثراً على الاقتصاد الوطني من نهب المال العام بذلك الحجم، إلا أنها استهدفت المواطن، وألحقت أضراراً به بالاحتكار والتنفُّع على حسابه.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.