سحر الكابلات الطائرة

ما هو سبب غرام بعض العمالة بالكابلات وأسلاك النحاس؟ ربما يعتقدون أنها بخصائصها الطبيعية توصلهم إلى أهاليهم على وجه السرعة! لا تنسى أن النحاس موصّل ممتاز. إنه أقدر على التوصيل من نمّام محترف! النحاس موصّل للتيار الكهربائي، وأيضاً موصل للثراء غير المشروع على حساب أصحابة الغافلين. يمكننا اعتبار كابلات النحاس بديلاً حديثاً للمكانس التي يتهم بها بعض السحرة! السرعة في بيع البضاعة المسروقة والسرعة في السفر، لا تذكرني بشيء سوى مكانس السحرة. سبب الغرام العمالي الآسيوي، خصوصاً بالكابلات هو ارتفاع أسعارها الكبير بالطبع، مع هذا خلل أمنى رقابي واضح، أيضاً أضف إليه قصوراً إدارياً لدى أصحاب البضائع. السؤال كيف نشأ كل هذا؟
كنت طرحت تساؤلات عن الأوضاع الأمنية، في مقال “إلى رجال الأمن مع التحية”. ووصلتني آراء وقصص من بعض الأخوة القراء. في الحقيقة لم أكن ابحث عن قصص، رغم تعاطفي مع أصحابها، أما السبب فهو كثرتها. هدفي هو السعي إلى فتح باب النقاش في قضية تمس كل واحد منا، الأمن الجنائي مثلما حاولت جاهداً، وعلى مدى أشهر، الإلحاح في قضية الأمن الاقتصادي.
الأحوال الأمنية قضية لا تناقش ولا تطرح بالشكل المناسب، هي تبقى قصص وقضايا متناثرة في مقال هنا وخبر هناك.
لنأخذ “غرام الكابلات” نموذجاً للنقاش، أول ما بدأت ظاهرة سرقة الكابلات كانت سرقات صغيرة تتم من بنايات تحت الإنشاء، وقبلها تخصصت عمالة بجمع النحاس والخردوات من الشوارع والأحياء. كل هذا كان تحت النظر، ولم يلتفت إلى تلك القضايا بالصورة المناسبة. كان ينظر إليها على أنها صغيرة، والرد المشهور على الشاكي، “أحمد ربك”، وله الحمد والشكر دائماً

وأبداً، وأيضاً قولهم في كلمة حق يراد بها صرف صاحب الشكوى “من شاف مصيبة غيره هانت عليه مصيبته”، هذه الصورة في التعامل مع قضايا ننظر إليها على أنها ليست في سلم الأولويات، أوجدت سوقاً للنحاس المحروق، سوقاً عاشت حالة من الاطمئنان بسبب التراخي فترة من الزمن، حتى توسعت وكبرت، وهو أمر دفع عمال نقل إلى بيع شحنات جديدة من الكابلات لتجار تشليح من نفس جنسياتهم. الشحنة التي تبلغ قيمتها الملايين تباع بالآلاف ثم الإقلاع بالطائرة. لكن مثل أية مسروقات لا بد لها من مشترٍ. النحاس، وهو نموذج هنا لكثير من المسروقات، يذهب إلى مكان يعيد استخدامه. إذا تتبعنا الحلقات يمكننا اكتشاف أن هناك من يشترى بضائع لا يعلم مصدرها. أين هؤلاء من المحاسبة؟ إنهم غالباً لا يظهرون في الصورة، وهم حلقة مهمة من حلقات الفيلم الآسيوي الطويل والممل.
فلماذا لا يُجرم من يشترى بضاعة لا يعلم حقيقة مصدرها ومالكها؟

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.