النخالة التي!

ليست القشة من قصم ظهر البعير، بل هي النخالة. والأخيرة أثقل من الأولى، لذلك فإن القصم كان قاسياً، بل هو أقرب للقصف. تمكن إعادة كتابة المثل الشهير بعد ضحايا الإبل ليصبح.. النخالة التي قصفت ظهر البعير. كارثة نفوق الإبل في السعودية التي عايشناها قبل شهر رمضان تعود لتطل برأسها الآن آخذة معها في الطريق “فرقة” من الأغنام، فيطلبون لها طبيباً بيطرياً في محافظة السليل – كمثال – ولا يجدون. مع اختلاف الأسباب في النفوق سواء كان “ابو رمح”، وهو مرض يصيب الأغنام، أو “أبو نخالة”، فإن المواقع هي في انتشار، حتى إن “بعير الشمال” الذي يوصف بالصبر والهدوء لم يسلم.
من الأمثال الشعبية التي تنبغي إعادة النظر فيها حتى تتطابق مع واقع لغز النفوق المثل القائل: “إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه”، يفترض أن يضاف إليه.. “إلا جمل النخالة”، فهو الجمل الوحيد الذي لم تكثر السكاكين من حوله عندما سقط، بل إننا لم نعرف حتى الآن السكين التي نحرته ليحترز منها المربّون والبعارين.
من الأمثال أيضاً قولهم إن الجمل لا يرى اعوجاج رقبته، تخيل لو كانت رقبة الجمل مستقيمة، ستتوافر لدينا زرافة صحراء لن تجد ما يكفي من الأشجار الطويلة لتتغذى عليها.. ولن ترى حتى الشاحنات لتعترضها، والجمل لا يتوافر على مرآة بحجمه ليشاهد الاعوجاج فيتصالح معه. الجمل أيضاً مع حدة بصره، لا يستطيع التمييز بين نخالة ملوثة وأخرى سليمة، من هنا يمكن القول إن الجمل لا يرى ولا يفهم اعوجاج بعض سماسرة النخالة أو العابثين بها، وهذا استنتاج، فيأكلها ليموت وسط بكاء أصحابه.
عندما كانت حوادث اصطدام السيارات بقطعان الإبل في الطرقات الطويلة ظاهرة في السعودية كتبت كثيراً استنتج في معرض التذكير بها وبضحاياها أن الجمال تنتقم من السيارات التي أخذت مكانها فلم تعد وسيلة للتنقل فأُهملت ونُسيت. كانت تصر على التهادي بجوار الطرقات الطويلة للتذكير بموقعها ووظيفة خسرتها لمصلحة الحصان الحديدي، عندما طغت تلك الظاهرة أكثر فأكثر، استنتجت أيضاً في معرض التذكير بالضحايا والخسائر أن الجمال تنتقم من أكل “كبدة الحاشي”.. فلذة كبدها، أي فلذة الفلذة! في الخليج سوق لكبدة “الحاشي”، وهو ابن الناقة، ويقولون في الأمثال “لا أغلى من الابن سوى ابنه”.
حتى الآن لا نعرف من قتل الجمل وعائلته الكريمة الصبورة، لذلك ليس لنا إلا الاستنتاج انتظاراً لنتائج تحقيق نحن في شوق لتفاصيله، وهو انتظار طال أمده.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.