أم بندر وروح المبادرة

لعل وزارة المال وصندوق التنمية العقارية يتلطفان بتأمل هذه الحالة. قبل عرضها لا بد من إشارة إلى تطوير الأنظمة، في العادة تتذرع جهات معنية بأنها جهات تنفيذية، هي تنفذ الأنظمة ولا تضعها، يأتي هذا التعذر هروباً إلى الأمام يقبله المنطق البيروقراطي وربما يحث عليه، إلا أن هناك إمكانات تطوير مخفية، تضيع ويضيع معها فئات من المجتمع، لأن نظام الإجراءات والأنظمة القديم لم يشملهم، الإمكانية تتبلور في تصوري من أن الجهة التنفيذية بحكم عملها الملتصق بالجمهور، تعلم عن نقص وثغرات لم يلتفت إليها نظامها القديم، لو أن هناك روح مبادرة وتطوير، لقامت تلك الجهات التنفيذية برصد النقص والثغرات، بهدف الوصول بخدماتها لحدها الأقصى خدمة لأكبر شريحة ممكنة، الرصد مع الاقتراح يرفع لأعلى ويتابع.
الأسهل طبعاً هو التحجج بالقول إننا جهة تنفيذية، أم بندر تصف حالها الاجتماعية بأنها من ذوي الظروف الخاصة، أو مجهولي النسب، ضحايا… أيتام لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بالوضع الاجتماعي الذي وجدوا أنفسهم فيه.
عاشت أم بندر لدى أسرة بديلة، تزوجت واستطاعت بمساعدة أهل الخير جمع مبلغ من المال بحثاً عن سكن صغير يؤويها مع زوجها وطفليها، وجدت منزلاً صغيراً، فدفعت مدخراتها مقدماً لشرائه، إلا انه مرهون لصندوق التنمية العقارية، والصندوق لا يقبل نقل الملكية إلا لمطلقة أو أرملة، “يعني لازم تتطلق”!
أستغرب من دعاة حقوق المرأة من الجنسين لغياب قضايا مثل هذه عن اهتماماتهم، لاحظت أن الاهتمامات المعلنة يغلب عليها “الفافي”، لو بحث هؤلاء في الزوايا المنسية ولدى الجهات التنفيذية عن فئات مثل أم بندر، لوجدوا ولكان لجهودهم اثر في ما ينفع الناس حقيقة النفع.
تعيش أم بندر في حال يأس، مدخراتها الآن في مهب الريح، لأن البائع يريد نقل الملكية والكفيل يريد الاستفادة من اسمه، ومدخراتها مهددة بأن تصبح إيجاراً تطرد هي وأسرتها الصغيرة بعد نفاده إلى الشارع ، السبب إجراءات بيروقراطية لم تحدث، أم بندر ملتزمة بالسداد، حق الصندوق سيصله لكنه جهة تنفيذية!
قبل فترة، أعلن الملك عبدالله بن عبدالعزيز عن إعفاء المتوفين من سداد أقساط صندوق  التنمية العقارية، كان لهذا القرار أثر ايجابي كبير في المستفيدين، أيضاً هو يشير إلى بحث القيادة عن كل ما يسهل حياة الناس، إذا ما أوصلت إليها القضايا من جهاتها، تخيل معي لو رفعت وزارة المال مذكرة لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمير سلطان بن عبدالعزيز عن أحوال تلك الفئات، طالبة تعديلات بسيطة سريعة على الأنظمة، ألا تتفق معي أن الموافقة ستصدر فوراً؟ لكنها روح المبادرة، وإلى أن تنشط هذه الروح تعيش أم بندر وأطفالها ومثيلاتها في حال يأس وأنظارهم على الشارع.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.