صيام الدجاجة والديك

صديق هذه الزاوية الأخ سعود يريد مقالات «توسع الصدر»، لذلك، فيما يبدو لي، استعان «بمهفة» من الخوص ليسترجع تفاصيل ودهاليز بيوت الطين بكل ما في تلك الرائحة الجميلة من حضور طاغ.

العنوان عبارة يقولها الأهل لأطفالهم تشجيعاً لهم على البدء بالصوم فعلاً لا الصيام شكلاً، وفحص الشفاه «الخشش» ولون اللسان، وهي العبارة، من مفردات تلك الحقبة الطينية، عندما كانت الدجاجة مع الديك من سكان البيت الطيني، وإلا فإن الدواجن لا تصوم، اللهم إلا إذا قرأت بياناً يحذر من تفشي أنفلونزا الطيور.

بالنسبة إلى أطفال هذا العصر ربما معظمهم لا يعرفون الدجاج سوى على الموائد أو من خلال التلفاز، «صيام الدجاجة والديك» قول فيه لوم للطفل على التفريط أو «المسارق»، «جغمة» ماء أو قطعة خبز بجبنة في غفلة الأهل، ومن الذاكرة التي حرثها الأخ سعود برسالته يبدأ الأهل بترغيب الأطفال بصيام شهر رمضان بالتهيئة النفسية، المقارنة بأطفال آخرين أقصر قامة أو أنحف مثلاً، على اعتبار أن «الكرش» مشابه للسنام، مع ذلك هم يصومون، التشجيع يكون لساعات الصباح الأولى، إذ يصوم الطفل إلى الظهر، مع التغاضي عن «شقاوته» في الخطف من الثلاجة، ولأن المنزل كله في جو صوم تتراجع شهية الأكل. الأكل مع الجماعة يحرك الشهية، كأنه يخبرك عن «عراك الحياة» عكس الأكل وحيداً. أيضاً إفطار رمضان هو تجمع عائلي يندر في غيره، مع رفع أذان صلاة المغرب يسكن الهدوء أرجاء المدن والقرى… تختفي المركبات من الشوارع، تلتف العائلات حول بعضها في لحظات فريدة. كل هذا في إطار روحاني بهيج يعيد ولو للحظة إعادة فحص سير رحلة الحياة.

في رمضان نتعلم من الجوع والعطش عن أحوال من عاش أو يعيش حياته… الصوم قسراً لضيق ذات اليد، الشهر الفضيل محرك للعطاء والبذل الرشيد، أي ذاك الذي يصل للمستحقين فعلاً، أولئك الذين لا يسألون الناس، تحسبهم أغنياء من التعفف، الجهد في البحث عنهم جزء من البذل، خصوصاً في زمن تداخلت فيه شخصية المتسول مع شخصية اللص، لا تعلم هذا المقبل عليك منهم هل سيخرج صك إعسار أم سكيناً؟

رمضان محطة سنوية يحن الكثير منا إلى زماناتها حنيناً للطفولة البريئة. في طفولتك كنت تعرف أقل مما جعلك ترتاح أكثر، حدود الإدراك للمحيط، كانت أكثر نظافة معنوية، صورة الحياة في وجدانك وردية تكتسب مع التقدم بالعمر والتجربة ألواناً شتى.

كل عام وأنتم بخير والعالم أكثر أماناً ووفرة وسلاماً.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

5 تعليقات على صيام الدجاجة والديك

  1. أبوسلطان كتب:

    الأخ عبد العزيز أنا غبطت أخوي سعود والغبطة محمودة في الاسلام يوم قلت أنه صديق هذه الزاويه أنا والله صديق قديم أتابعك من الرياض الى الاقتصاديه الى الى الى الحياة وأقول شي يمكن ما تصدقه اذا ما قريت لك يوميا أحس شي ناقصني أما الي يبحث عنه سعود من ما يوسع الصدر كلنا ندوره ونشريه وعسا الله يكفينا اللي يضيقون الصدر اللي ياكثرهم ها الوقت

  2. مواطن كتب:

    مدري احنا تغيرنا والا الزمن تغير رمضان اول احلا
    يازين رمضان يومنا صغار في بيت جدي في البديعه القديمة وصوت المدفع اللي فقدناه في الرياض وصوت أذان المغرب من الراديو بصوت الشيخ بن ماجد الله يرحمه من الجامع الكبير لكن له نكهه غير غير والله ولمة جدي وعمامي وابوي وحنا وعيال عمي علي سفرة واحده .. وبعد المغرب الشيخ الطنطاوي ومسابقة رمضان بموسيقاها الكلاسيكية ويوميات ام حديجان في ليالي رمضان بالراديو بعد … كانت ايام وكان الناس الكبار بعد العشاء ينامون مايبقي الا الحريم اللي يصلحون السحور وحنا الصغار .. وعلي طاري صيام الاطفال كنا نصوم الى الظهر وعند الظهر ناكل الباقي من سحور الكبار متروك لنا كغداء ناكلة بالخش والدس .. ايامها ماكنا نعرف التوت والسنبوسة والمكرونه والتطلي او مايعرف بالكاسترد الا برمضان بس مو زي الان الخير بكل وقت بس مالة طعم .. مستعد ادفع فلوس بس ارجع لذيك الايام لو شهر فقط يازينها علي انها كانت ايام الحال فيها مبارك
    الله يرحم جدي وجدتي ووالدي وعماني ويطول عمر الباقيين ويعيد رمضان عليكم سنه ورا سنه بخير وعافية

  3. وديع كتب:

    الأمر بدأ يطرح كما تطرحه أخي عبدالعزيز, فقد تحول الأمر من تفطير إلى تدسيم و تنافس في الإسراف …

    أحد الإخوة طرح فكرة أن تربط كل هذه المشاريع الخيرية تحت جهة إدارية خيرية , تنظم هذا العمل وتحد سقف الترف فيه , وتجعل منه روحانياً أكثر من كونه بذائخياً :) …

    تمنى من الجمعيات الخيرية أن تتبنى إدارة مثل هذا المشاريع , والعمل على وضع ألية لتنفيذها ..

    لك الود

  4. سند التميمي كتب:

    تر الأمور تغيرت صارت الدجاجة والديك وفي سبيل ذبحهم بعد 40 يوما او ان تبيض كل يوم بيضو ونصف يأكل هذا الطائر المسكين أغلب وقته وفي حالة إفطار دائم ولن ينازعك مثل دجاج القرية الخلاء ..

  5. يوسف الغانم كتب:

    اسعد الله اوقاتك يا ابو أحمد
    وكل عام والجميع بخير
    ” لكل زمان دولة ورجال ” تبقى الطفولة جميلة مهما تغير الزمن ..فكل جيل يعتقد ان طفولته هي الافضل …وعلى طاري الطفولة اذكر انني اول ما صمت كان الجو حار مثل هذا الوقت ولكن بدون مكيفات مع البرنامج اليومي الذي نكلف به في المزرعة ورعي الغنم …المهم كنا نصوم ونسرق بأدب فكنا نجغم الماء للتمضمض فنبلع النصف ونمج النصف الآخر وناكل التمر بدون علك -نبلعه بلع- وذات مرة ابتلعت تمرة مسكانية كبيرة الحجم وغصيت بها ولولا الله ثم فزعت الوالدة كان رحت فيها وانكشف امري ولم اكررها ثانية 0
    المهم تبقى الطفولة جميلة مهما تغير الزمن فاطفالنا الآن سيحنون لطفولتهم والى العابهم الالكترونية لانها ستكون قديمة وبدائية مثل ما نشتاق الى الدنانة والنباطة.. وهكذا دواليك

التعليقات مغلقة.