تصيبك الدهشة من انتشار مفردات السباب القذافية عربياً في دول تعيش أزمات حادة، مع اختلاف بسيط المعاني هي نفسها، في التقزيم وتقليل القيمة إلى حد إنكار وجود الآخر، الذي كان بالأمس شقيقاً فأصبح «شقيقة» فلقت الدماغ، ويبلغ الأمر ذروته في التعرض للذات الإلهية والعياذ بالله تعالى علواً كبيراً.
فتحت الأزمات العربية من احتجاجات وثورات وحروب إعلامية فضائية الصندوق الأسود، لم يعد «السباب» محصوراً على صفحات الإنترنت بأشباح مستعارة بل على الشاشات النابضة بالصور، ولا يتردد بعض سماسرة السياسة منتحلين صفة محللين سياسيين من الدخول للساحة ومحاولات الانتقاص هرباً من عجزهم عن وضع الأصابع على الخلل تكال الشتائم للآخرين، من أولئك الذين لم يوافقونهم الرأي أو وقفوا ضد سياسات زعماء تجندوا طوعياً لخدمتهم، ولا يتردد أمثال هؤلاء من القول إنهم أبناء حضارة!، فقط لأنهم وجدوا في بقعة عمرها كذا ألف سنة، لكن لا يسأل أحدهم نفسه ماذا زرعت في النفوس هذه الكم ألف سنة غير هذا الرصيد الغث من شتائم يكاد لعاب مطلقها يكسر شاشات التلفزة من فرط الحماسة، يتناغم مع هذا ولا ينفصل عنه اعتداء على السفارات وعبث بمحتوياتها.
وخلال الأيام الماضية تابعت قنوات فضائية سورية وشبه سورية لأطلع على وجهة النظر الأخرى حول قرارات الجامعة العربية،و بعيداً عن الإعلام «المغرض» وقعت في الإعلام «المعلب»، وحينما انفجر اكتشفت أن لسان القذافي المأزوم ما زال حياً يلهج زاحفاً من دهاليز الاستوديوهات إلى الشوارع والميادين.
ويجد هذه الأيام كثير من «المعتاشين» على الردح السياسي وسماسرته فرصة كبيرة، ارتفع الطلب لسد فجوات البث الفضائي المفتوح،، فكان لا بد من الاستنجاد بطحالب برعت في التسلق بألسنتها، وكلما طال اللسان وتلوث، صفقت له الفضائية المعلبة. وتخصص لبنان في إنتاج هذه الطحالب أكثر من غيره نتيجة لوضعه «الخاص»، هذا الوضع «الخصوصي»، أجاد بعضهم استغلاله في بيع الكلام الرخيص والمواقف هنا وهناك وحسب السوق، وبدلاً من تحليل الأزمة أو الثورة والبحث عن أسباب اندلاعها بالتفتيش عن كوارث النظام المتراكمة واستئثار زمرة بالسلطة والثروة لعقود دوساً على رقاب البشر بأحذية المخابرات، تم كيل الشتائم بالجملة لدول الخليج فهم البدو والأعراب والذين ليس لديهم سوى خيام وجمال دون ماء! اللهم لك الحمد، فالعروبة عندهم موجودة فقط في طهران، وفلسطين سيعيدها الإمام الولي الفقيه عابر حواجز الزمان والمكان بلسان أحمدي نجاد حينما يدمر إسرائيل برذاذ خطاباته.