تعلمنا من التجربة أن كل ما يحرص وزير الدفاع الأميركي على نفيه أو التخفيف من أهميته وحجمه يتحول إلى حقيقة ناصعة تكبر وتكبر بعد أيام قليلة، والشواهد من الكثرة والحضور في الأذهان بما لا يدع حاجة لذكرها، بالأمس القريب نفى الوزير الأميركي عزم إدارته إغلاق معتقل غوانتانامو الإرهابي، واستناداً إلى ما سبق أقول من هذه الصحراء إنه سيتم إغلاقه قريباً وقد تحول إلى وصمة عار في جبين التاريخ الأميركي وسيضاف إلى سجل “الرامسفيلدية”، وهو كما كتبت أكثر من مرة، لا يشبه سوى معسكرات الاعتقال النازي التي تقدم في الإعلام الغربي على أنها أبشع ألوان الامتهان البشري، وبالأمس القريب قال وزير الدفاع الأميركي إن بلاده لن تخسر الحرب في العراق، وأقول من هذه الصحراء إنه سبق وخسرتها وأن الأيام المقبلة حبلى بالمزيد من الخسائر السياسية والعسكرية، ولنتحدث باللغة الرامسفيلدية التي لا تضع اعتباراً لأرواح البشر من غير الأميركيين، فأقول إن خسائر الجيش الذي يديره في ازدياد وأصوات أهالي القتلى هناك في ارتفاع، والمطالبة بتنحيته ومقاضاته يعلو صوتها، ودول التحالف لاحتلال العراق في تململ، وفي الجانب السياسي خسرت الولايات المتحدة الأميركية ما تبقى لها من صدقية في تعاملها مع أفغانستان والعراق، وتحولت في مخيلة شعوب المنطقة إلى مستعمر دموي جشع، فلم يكن التاريخ الاستعماري الأميركي حاضراً في هذه المنطقة بخلاف مناطق أخرى من العالم، وكان الخطأ الكبير في استثمار أحداث 11 أيلول (سبتمبر) بصورة بشعة أعطت الدلائل على النوايا المناقضة للشعارات، فلم نرَ مؤشراً واحداً على الديموقراطية في العراق، بل ها نحن نرى دولة مهلهلة تقام على أسس طائفية ويجري علناً تقسيمها ويقمع ويقتل جانب كبير من أبنائها، والأمن فيها في انحدار والمواطن العراقي أول المتضررين.
رامسفيلد شخصية غريبة على البيئة الديموقراطية في الداخل الأميركي، فهو صورة لديكتاتور من العالم الثالث، وهو يشابه إلى حد بعيد صدام حسين، ها هو يعلن الآن وعلى طريقته عن “أم المعارك”، وبدلاً من الكلمات تخرج من فمه جثث وشلالات دماء، وهو يقارن عدد القتلى من جنوده بعدد القتلى من الضحايا العراقيين، فيرى أنهم أقل وهو مؤشره الوحيد على الانتصار المرتقب.
والحقيقة أن العراق ليس فيتنام والثمن الذي يدفعه العراقيون من الموالين والمواجهين كبير، ثم إن لدى العراق موارد تغري قوة باطشة مثل القوة التي يديرها رامسفيلد، وقد تتمكن من إخماد المقاومة أو التمرد أو المسلحين اختر ما شئت، لكن الخسارة السياسية كبيرة ومخيلة الشعوب لا تنسى، فالعراقيون لن ينسوا أن الأميركي لم يحترمهم وعاث في بلادهم واستمرأ إذلالهم، والذي يحدث في العراق شبيه في جوانب منه بالحرب العراقية – الإيرانية، فيه من عبثيتها الكثير، ومن المتوقع أن تكون له النهاية نفسها.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط