زمن الميرندا

لماذا ذهب الناس إلى الاكتتاب في شركة دانة غاز في صورة كاريكاتيرية نادرة، لا تحصل إلا في بلادنا؟ سبب ذهاب الناس أو هروبهم هو خوفهم وحرصهم على نعاجهم، نعم لدى كل واحد منهم إما نعجة واحدة أو نصف تيس، ويخاف على ما معه من صاحب الـ 99 نعجة، هذا الأخير يريد ضم النعجة الوحيدة إلى نعاجه، خوفاً عليها – في ما يبدو – من الوحدة والانطواء، صاحب الـ 99 نعجة مصر على علاوة إصدار، ومن ورائه مؤسسات اقتصادية ومالية حكومية، ترفض تجزئة الأسهم بصورة تتيح لمن لديه نعجة واحدة، أو ربع تيس أن يحصل على محفظة صغيرة لحلاله، وهكذا تقاطر أصحاب النعجة والنعجتين إلى الدانة، لم يكونوا “يهيجنون” ياليل دانة، بل كانوا يرددون ياليل ما أطولك، لعل من المضحك المبكي أن مدير الاكتتاب في بنك HSBC، لديه المئات من الفروع المتاحة في السعودية من خلال شراكته مع “السعودي البريطاني”، فلماذا لم يتم الاكتتاب من خلالها؟! بدلاً من ذلك تم فتح أبواب جسر البحرين، فانتقل المكتتبون الغزاة الحفاة إلى هناك. أعود وأقول إن القضية ليست “دانة غاز” بل أسلوب وطرق الاكتتابات وطرحها في سوقنا المحلية، السبب مرده إلى عجز كبير في التعامل مع المتغيرات الاقتصادية. كانت لنا دانة غازنا، شاهدناها في اكتتاب بنك البلاد وشركة الصحراء وغيرهما، وكل ما حصل أن مشكلتنا تم تصديرها إلى الإخوة في الإمارات، فضيق بعضنا عليهم، ونكد عيشهم أياماً معدودات، وصام على خبز حاف وميرندا، ونام بعضهم تحت الجسور وفي الحدائق، هل يقبل أي إنسان أن يحدث مثل هذا الوضع لأخيه أو صديقه أو لشخص لا يعرفه؟ هل يقبل مسؤول أن يحدث هذا لمواطنيه؟ كان من المضحك المبكي أن من يحملون الأموال يشحذون ويتسولون المصارف والصرافين والفنادق والتكاسي، والسبب هو الجهات الاقتصادية والمالية الرسمية في السعودية، وشعارها “يا جبل ما يهزك أكثر من مئة ألف مواطن”. كتبت هنا عن فيروس البطء المتغلغل في أجهزتنا الحكومية، وكتبت مع غيري عن احتكار عشرة مصارف لاقتصادنا، وكتبت عن الشفافية التي تحولت إلى “شفاحية” ولكن لدينا جهات شعارها يا جبل ما يهزك مئة ألف مواطن أو أكثر، هذه الجهات لم تهتز من الملايين في اكتتابات الداخل فهل ستتأثر من 150 ألف مواطن فقط لا غير. وبوجود مثل هذه الجهات بأوضاعها الحالية، وعزفها المنفرد على نقص الوعي لدى صغار المستثمرين، وهي كلمة حق يراد بها الارجاء فنحن مقبلون على زمن الميرندا… تفقدوا ثلاجاتكم، وإذا ما رأيتم مكتتباً في دانة غاز التي وصلت تغطيتها إلى مئات الأضعاف قولوا يخلق من الشبه أربعة وأربعين.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.