مَنْ يربح البعوضة؟

بحكم ندرة الأعمال الكوميدية المحلية يفتش الناس عما يضحكهم فلا يجدون سوى آهاتهم، أحد الأصدقاء اقترح طرح هموم المواطنين للاكتتاب!، قلت له إنه لن تتم تغطية الإصدار، على رغم عدم وجود علاوة إصدار. وعاجلته برد أقترح فيه أن تبقى هموم المواطنين مطروحة “للاكتئاب”. وفكرت قليلاً فوجدت أن ما يطرح للاكتتاب غالباً ما يغلف بحاجات المواطنين: إيجاد فرص العمل، تنويع مصادر الدخل، واستقطاب الكفاءات الشابة. وكلما قرأت عبارة “الاستقطاب” هذه، يذهب تفكيري عاجلاً إلى القطب الشمالي، وأحياناً إلى القطب الجنوبي، بحسب حالة الطقس، ووصلت إلى أن “الاستقطاب” عند وروده في قضايا التوظيف وما إليها، خصوصاً سالفة “الكفاءات الوطنية”… هذا الاستقطاب مصدره “قطيبة”، ومعناها – بلهجة من اللهجات السعودية -القطعة الصغيرة جداً!
نحن الآن أمام مصطلح جديد وهو “الاستعانة”، والله وحده تعالى هو المستعان أولاً وأخيراً. أول ما تم تداول “الاستعانة” على نطاق واسع في برامج المسابقات الفضائية، وبحكم أن الأفكار تبدأ بعبارة تلمع في جانب من جوانبها، أو مصطلح ضبابي، كما حصل معنا في “الشفافية”، فها نحن نشهد ميلاداً جديداً لمصطلح “الاستعانة”، فهو خرج من برامج المسابقات الفضائية، ليرفرف بجناحيه ويحط على قدميه ليشيد عشاً في جهة حكومية…
إليكم هذا الخبر الطازج: “نفى المدير العام للشؤون الصحية في منطقة مكة المكرمة رئيس اللجنة التنفيذية لـ “حمى الضنك” في جدة الدكتور ياسر بن سعيد الغامدي قيام الصحة بتوظيف غير سعوديين في برنامج حمى الضنك. وأوضح أن ما حدث هو “الاستعانة” بمقيمين من الجنسيات غير العربية في المناطق المأهولة بسكان غير سعوديين، وذلك من أجل التوعية باللهجة نفسها، “إذ تصل نسبة غير السعوديين، في بعض أحياء جنوب جدة، إلى أكثر من 50 في المئة، ما يعوق وصول التوعية إلى داخل هذه المنازل”.
نحن أمام موضة جديدة، أو بند جديد يطلق عليه “الاستعانة”، وأرجو ألا تفهم عزيزي القارئ أنها توظيف خاص، وأن بعضكم لا يزال يتذكر توظيف الشباب في الصيف فيختلط الأمر عليه. هي ليست كذلك، والدليل النفي الرسمي المنشور في جريدة “الوطن”. أرجو ألا يكون فهم من “نحت” هذا المصطلح مبنياً على متابعة لصيقة لبرامج المسابقات الفضائية، إذا كان الأمر كذلك فنتوقع برنامجاً جديداً يطلق عليه “من يربح البعوضة؟”. إذا أخذنا خبر النفي على علاته، وبالنسب التي أوضحها، وعدنا للأرقام التي أشرت إليها في مقال أمس، نجد أن نسبة “الاستعانة” أكبر من الحاجة، نسبة وتناسباً، وإذا تذكرنا أنه قبل أشهر اكتشفت الجهات الأمنية شركة حراسات أمنية في المنطقة الشرقية، توظف مخالفين للإقامة في الحراسات!! يمكن لنا توقع نتائج “الاستعانة”!
الأصل أن يقوم شباب البلاد بتوعية ضيوفهم من منزل إلى منزل، وحجة اللغة حجة واهية، ولو شاهدت القائمة لوجدت فيها الجنسيات العربية أكثر من غير العربية. ختاماً لا زلت أطمح إلى أن تقوم حملة للعلاج بالرقية الشرعية لبعض الجهات الحكومية، ووزارة الصحة في المقدمة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.