من نيويورك إلى باريس … أين موقعنا؟

تعيد تفجيرات باريس طرح السؤال القديم: هل استفدنا من دروس وتداعيات أحداث 11 سبتمبر الكارثية؟ وبمَ خرجنا منها؟

إن ما يحدث الآن خرج من ذلك الرحم، والمولود الجديد شبيه بأخيه، شبح دموي يخيم على منطقتنا. إنه أبعد من قصف مكثف بالطائرات ودمغ كل ما هو إسلامي وعربي بتهمة الإرهاب.

بعد 11 سبتمبر كان الموقف دفاعياً بحتاً، اختلطت فيه محاولات التفسير بالتبرير، ضاعت أصوات تدعو إلى النظر في إعداد استراتيجية طويلة الأمد لا تترك احتمالاً إلا له جاهزية واضحة المعالم. تقاوم استهداف الإسلام والمسلمين والعرب ثقافة وشعوباً وأنظمة. هذا لا يعني أن ليس لدينا أخطاء، بل هو دافع أكبر لإصلاحها.

الركون إلى الدعة والاكتفاء بالشجب والاستنكار وإبداء التعاطف لا يكفيان، ليس محاولة لاسترضاء الغرب، بل سداً لثغرات وشقوق استفاد منها الأعداء لتصبح ذخيرة مستدامة للابتزاز السياسي والاقتصادي.

وكما رسخت إسرائيل صورة لها في الغرب بأنها الدولة الديموقراطية الوحيدة والشعب المتحضر وسط بحر من أنظمة دكتاتورية وشعوب متخلفة، يحاول نظام ولاية الفقيه في طهران تقديم نفسه للعالم والقوى الكبرى، خصوصاً أن لديه إسلاماً آخر غير الذي وصم بالإرهاب، ومسلمين آخرين منضبطين بالولاء يدارون بالضبط النائي من قم، وهو يستطيع تجنيد الكثير حتى الأطفال منهم وتفريخ الميليشيات الطائفية متى ما أراد، إلا أنه لا يستهدف الغرب إلا بتصريحات الاستهلاك الداخلي والإقليمي، بل إن مشروعه يتقاطع مع الغرب في «مكافحة الإرهاب المحدد الهوية»، وهو بهذا يحاول التغطية والتعتيم على تاريخ إرهابي حافل منذ أطلق شرارة سيل السيارات المفخخة والعمليات الإرهابية في المنطقة، كما يشير بإصبعه إلى إسلام آخر يناصبه العداء أتباعه في انفلات وتشظٍّ، هم مصدر تهديد للغرب ومصالحه.

وفي خطاب نظام الملالي «الثوري» واستهدافه الإعلامي «للاستكبار» واستحلابه لـ «المظلومية» رسالة للغرب أنه هو من يحوز «الثورية» و«الانفلات» ويستطيع إدارته وضبطه، يطلقهم ويحبسهم متى ما رغب، هو يمتص بهذا الاستحواذ زخم العاطفة ليفاوض عليها، في حين يحرك الأخرى من بعد ليجني ثمار فوضويتها.

وفي الحقيقة أننا لم نقم بكل ما يجب القيام به، منذ تلك الأحداث الكارثية، من نيويورك إلى باريس، لذا لم يكن عصياً على إيران وحلفائها المعلنين والخفيين، تحقيق النجاح في إعادة إنتاج «الحرب على الإرهاب» من رحم مطالبات مدنية في العراق ومثلها في سورية. لقد استلزم هذا وقتاً ومئات الآلاف من الضحايا وملايين المشردين واضطراراً لإعلان حضور مدروس لطهران على المسرح العسكري في المنطقة، لكن كل هذا سيغيب عن الأذهان لتبقى صورة الضحايا في شوارع باريس عالقة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.