عزيزي المسؤول!

في زمن مضى، كانت أخبار تحتل صفحات الصحف عن إجراء الدراسات حول هذه القضية أو تلك، مفهوم نشرها والتصريح بها، لكن الآن – بل ومنذ مدة غير قصيرة – لم تعد مثل هذه الأخبار تصلح للنشر ولا للظهور والبَروزة من المسؤول، السبب أنها استنفدت قيمتها وأثرها، أصبحت دلالة على أن الجهاز الذي يصرح بها لا يعمل في الحقيقة سوى «اعتزام» الدراسة.

ولو رصدنا أخبار «إجراء دراسة ودراسات» من الجهات الحكومية على مدى متابعتنا للشأن العام، ربما استوعبنا مقدار الكم التراكمي الضخم، غير المنفذ منه سوى التصريحات الصحافية. كاريكاتورياً يمكن تصويرها بمواطن لا يجد مجالاً للوصول إلى الموظف الحكومي بسبب أكوام الدراسات المركونة على الطاولة والكراسي والدواليب، تفيض وعود إجراء الدراسات إلى عتبة باب الجهاز الحكومي، وحظ المواطن مزيد من الانتظار عند الباب.

لذلك هي لا تصلح كمسكّن، سواء لصداع أزمة الإسكان أم غيرها.

إذا لم يكن لديك «عزيزي المسؤول» فعل مُنجَز لتعلن عنه، الأفضل لك ولصورة جهازك لدى الرأي العام ألا تقل شيئاً.

إن الهاجس لدى المواطن هو ما تم إنجازه، وحاجاته ومطالبه معروفة، ليست بالأمر الخفي، والقضايا أشبعت دراسات حتى تم استقدام المكاتب الاستشارية الأجنبية وتدريبها من خلال «ورش العمل» على أيدي مواطنين يجري جمعهم بدعوة المشاركة في عصف ذهني الذي ينتهي بأمطار «دهنية» تصب في سواحل تلك المكاتب الاستشارية. أيضاً استعين بالبنك الدولي هنا وهناك ما يعلن عنه وما لا يعلن، وكل وزير يعمد لإجراء دراسة، وحين يغادر الكرسي يأتي آخر ليعيد التعميد مرة أخرى. كم من دراسة أجريت وقبعت في الأدراج وكلفت الكثير من الأموال و «الأخبار الصحافية» ثم ركنت.

إن استخدام «نعمل على إجراء دراسة» من جهة حكومية في خطابها الإعلامي، خصوصاً للقضايا المعروف قدم طرحها والمطالبة بحلحلتها، ضرره أكثر من نفعه، بل إنه لا نفع له حتى للمسؤول الذي ظهرت صورته في الخبر، كما لم تعد لهذه السياسة الإعلامية «إن جاز التعبير» قيمة لشراء الوقت، فهذا الأخير تناقص إلى حد يدعو لليقظة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.