«حقنة» الوازع

لعلك لاحظت، مثل كثيرين، أن ملفين مهمين تم ركنهما على رغم بروزهما على السطح على مدى سنوات طويلة رسمياً وشعبياً. ومع أهميتهما القصوى والضرر الناتج من تزايد نتائجهما السلبية لم يتم التقدم في إيجاد الحلول الواضحة لهما، وهما الفساد والفقر.
أجهزتنا المظفرة المعنية بمكافحة الفساد خلصت إلى أن سببه الرئيس هو فقدان الوازع وبينت في بحث لها أن الواسطة أيضاً من أسباب الفساد، وهي في واقع الأمر لا تأتي بصورتها السيئة إلا بموت الوازع أو غيبوبته. إثارة قضية فقدان أو ضعف الوازع لم تؤدِّ إلى استحداث حلول لإنعاشه وإعادته إلى الحياة والنشاط، لكن الخفي هنا والموارب أن قضية فقدان الوازع رميت على المجتمع لاستنباط الحل المريح بالتوعية. طبعاً لا يحتاج الأمر إلى ذكاء وعبقرية لمعرفة أن فقدان المساءلة والمحاسبة الحقيقيتين والشفافية مع ثغرات في أنظمة من أسباب ما شخص على أنه ضعف في الوازع أحياناً وموته أحياناً أخرى.
والوازع لا يمكن حقنه في الضمير بإبرة منشطة إلا بالردع، والأخير لا يتوافر إلا بوضوح الأنظمة وشفافيتها مع تطبيقها المعلن. أما الفقر فيكاد ينسى تماماً، اللهم إلا من المواسم الدينية، وبخاصة في شهر رمضان، ومع الظروف الاقتصادية الحالية يمكن توقع أن الفقر سيزداد المدقع منه وغير المدقع. والخطورة في التكيف مع هذه الحال الهلامية في التعامل مع ملفات بهذه الأهمية، لأنها مُثل تستفحل وتتضخم مع مرور الوقت، وحينما بدأ الحديث عن مكافحة الفساد كتبت أنه من الخطورة الاكتفاء بالتوعية والوعظ الإنشائي الذي تراه في لوحات مكتوبة أو بيانات مبهمة وعدم نقاش الملفات الكبيرة، لأن هذا الأسلوب يقدم صورة تخبر عن أقصى وجوه المكافحة المتوافرة للفساد وهي صورة طبطبة أكثر منها اجتثاثاً أو صرامة مواجهة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.