شارع عسير من أقدم الشوارع في مدينة الرياض. اشتهر بدكاكين لجزارين اكتسبوا سمعة جيدة على مر السنين، خصوصاً في لحم الحاشي (الجمل الصغير). أضحكني بمرارة قارئ عزيز اقترح، بعد رواية معاناته مع أطباء القطاع الخاص، أن تمنح وزارة الصحة رخصاً طبية للجزارين المشاهير في ذلك الشارع! الحقيقة أنهم يعرفون عملهم جيداً! هو شاب اشتكى لأشهر من ألم شديد في الظهر. ذهب إلى مستشفى خاص كبير في العاصمة، بداخله مرَّ على خمسة استشاريي “عظام”! ربما يُعلن عن أسماء بعضهم في إعلانات جذب المرضى. كان تشخيص الأطباء بأنه شيء صغير، ولا داعي للوسوسة. مجرد تمزقات عضلية بسيطة وتيبُّس يزول مع الوقت. نصحوه بدهانات ومسكنات. الألم الشديد اجبر أخانا على الاستمرار في المراجعة لمدة شهر. كرر عليه استشاري عربي زميل جراحة ألمانيا، في المستشفى المقولة نفسها: “ما زلت صغيراً على أمراض الظهر. شوف لك دهانات”، أصر المريض على أشعة بالرنين المغناطيسي، النتيجة قالت إنه مصاب بانزلاق غضروفي. يتساءل صاحب الرسالة عن استشاريين بهذا العدد لم يستطيعوا تشخيص حاله، يضيف: لماذا لا تسمح شركات التأمين الطبية إلا للاستشاريين الكبار بعمل أشعة الرنين المغناطيسي؟ يجيب على التساؤل بأنها مكلفة بعيداً عن حاجة المريض. المضحك أن “زميل جراحة ألمانيا” عندما عاد له المريض مع الأشعة وثبوت الانزلاق الغضروفي قال له: “ما قلت لك؟” المريض غاضب من هذا التلاعب بالتشخيص. كيف يقول استشاري شيئاً كان قد قال خلافه؟ بالنسبة إلى الموقِّع أدناه الأمر عادي. كثيرون يقولون لك: ما قلت لك؟ وهم قد نصحوك بالاتجاه المعاكس. الاستشاري “عود من عرض حزمة”.
لم تنته القصة عند ذلك الحد. الاستشاري أحاله إلى آخر، هذه المرة إلى استشاري أعصاب عربي متخرج من اليابان… خبرات! أصر على إجراء جراحة له، وحاول إجباره على التوجه إلى غرفة الجراحات. توجس المريض خيفة من منظر الاستشاري وأسلوبه، كلما حاول مناقشته رد الاستشاري “هو أنت الطبيب ولا أنا؟ تعمل الجراحة ولا دوَِّر غيري”. الأسلوب ذكّرني بشارع عسير فعلاً، الحمد لله ان صاحبنا لم يرضخ لإجراء الجراحة، كلكم تعرفون أن الجراحات في المستشفيات الخاصة فيها “هبر”، ورائحة شارع عسير تعبق في الأفق. الأخطاء الطبية يمكن الاحتياط لها بإجراء محاسبي قد يطلق عليه الاحتياطات الطبية… النظامية! رفض المريض إجراء الجراحة، وبالواسطة ذهب إلى استشاري أعصاب في مستشفى قوى الأمن تعامل معه بما يرضي الله وطمأنه وعالجه، وحاله الآن أفضل بكثير.
إصابة الظهر موجعة، الواحد منا بلا ظهر لا يستطيع سوى الزحف على ركبه، يضيع بين الأرجل. اللهم بارك لنا في ظهورنا، يطرح صاحب الرسالة سؤالاً يقول: أين الرقابة على الأطباء؟ كأن ألم الظهر أنساه أن السوق الطبية مفتوحة بلا سقف أو جدران.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط