في ذروة انحسار نفوذه على الأراضي السورية، وقبل عامين تقريباً، قال بشار الأسد في تصريح شفاف: «أخطأنا في عدم الاستثمار في الإعلام»! كانت مثل كلمة السر، ومن يومها بدأ إعلام ممول إيرانياً وعربياً طائفياً بالحضور أكثر من أي وقت مضى في الساحة الفضائية العربية، كما برزت رائحة الولاءات في طريقة صياغة الأخبار أو التقارير، والتركيز على هدف ما، برز هذا داخل أروقة إعلامية تبدو مستقلة، أو تصف نفسها بالحياد، أو محسوبة على طرف في بلاد مختلفة.
وإذا دققت في الاستثمار الإعلامي الخليجي، ستجد أنه منذ التأسيس انصرف إلى واحد من مسارين، إما الزينة أو الترفيه وتزجية الوقت والتسلية، بحثاً عن الربح المادي، لكنه في الظاهر يعلن أن هناك إعلاماً ضخماً وكبيراً في الشكل، أما المضمون فهناك علامات استفهام لا تحصى، هذا الشكل الكبير يحتل مساحة ويسد الأفق بحيث لا يوفر مجالاً للمنافسة، بخاصة عند التخصّص في القضايا الجادة على اختلافها. ولو لم يحدث زلزال الربيع العربي لبقيت القضايا الجادة في الظل، لكن هذا الزلزال أحدث تغيراً نوعياً في اهتمامات الرأي العام العربي بمختلف دوله وشعوبه، ومع التطورات المتسارعة وتحول «الربيع» إلى حطام وحروب بين أنظمة وثوار مع بروز أطماع خارجية وتدخلاتها السافرة، حدث الانكشاف.
حينما يكون لديك معمل آيس كريم يمكن أن تصنّفه مصنعاً منتجاً في قطاع الصناعات الغذائية، لكن هذا لا يعني أن اقتصادك ينتج غذاء مفيداً، صحيح أنه يعطي بعض الطاقة وعذوبة الطعم، إلا أنه لن يقدم للجسد الكثير من حاجاته الأساسية. وهذه هي حال إعلام الآيس كريم، فلا أمن غذاء/ إعلامي هناك، والاستيراد هو المسيطر، وهو ما حدث ويحدث. ويمكن لنا النظر إلى استثمار سياسي إعلامي عربي – وخليجي أساساً في نسبة الملكية – في «عرب سات» نموذجاً، وكيف تحول إلى تجاري بما سمح للخصوم والأعداء باستغلاله والنفاذ منه فترة طويلة مؤثرة في ذهنية المتلقّي، ولم يكن لهذا أن يحدث لولا «الطابع التجاري» قصير النظر الذي غلّف الإدارة فيه.
أسباب كثيرة وراء ضعف الإعلام، هي ما سمحت بوجود فجوات استغلت، منها ضعف الاستثمار في الكوادر البشرية، وطابع «التوظيف»، وأنماط اختياراته ومنطلقاتها، وأيضاً سيطرة «الصحوبية»، فالأصحاب والأحباب يمكن أن يكونوا إعلاميين بيسر وسهولة حضور إلى الاستوديو لاختبار صوت أو وقوف أمام الكاميرا لا غير.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط
ليتك اختصرتها الله يجزاك خير بـ “جمهورية شويري” |! :)