شراكة أم ابتلاع؟

منذ سنوات كتبت عن موسم الربيع الأخضر المقبل للشركات العائلية وغير العائلية… السحابة الممطرة، هي الطرح في السوق المالية، وبنسبة ضئيلة 30 في المئة!؟ و “يا بخت من له في العرب ولد عم”. كنا وقتها في بداية التهيئة لطرح الاكتتابات. أتذكر أنني جُوبهت بعتاب من بعض الأحبة، قيل لي إنني متشائم، وأجنح إلى المبالغة، وفقدت صداقات وعلاقات قديمة أعتز بها، لأسباب لا تخفى عن وعي صغار المستثمرين المتهمين بالنقص والحالات النفسية المتردية! والتي خرجت منها طرفة المطالبة بزيادة رأسمال مستشفى “شهار” حتى يتمكن من منح غرف وأسرّة جديدة! وجاءت الأيام لتعلن أنني كنت واقعياً، بل إن تشاؤمي كان أقل مما وقع ويقع، الفرق الوحيد الذي لمسته بين تلك الأيام وهذه الأيام، هو كثرة الحديث والتأكيد على الشفافية والإفصاح، للاستهلاك الإعلامي فقط لا غير.
وكنت في السابق أحذر متوجساً من أن نقع في ما وقعت فيه بعض الدول العربية الشقيقة اقتصادياً، وبالتالي اجتماعياً وأمنياً. وعندما أتذكر عصر الانفتاح الذي مرت به مصر الشقيقة أعلم أننا نعيش منذ مدة عصر الابتلاع، والسوق المالية هي الوعاء الكبير، “أعطنا 30 في المئة نعطيك 300 في المئة على الأقل لسبعينك الباقية من ظهور غير الواعين من صغار المساهمين”، أما الاقتصاد فهو متين “يتحمل”! أو على قولتهم: “يشيل”.
بادر خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله ورعاه – وسنّ سنة حميدة بطرح 70 في المئة من مصرف الإنماء، إلا أن استشعار هذه الرؤية الملكية الكريمة والحكيمة من المسؤولين في الجهات المالية الحكومية لا يبشر بخير.
لست هنا في صدد الحديث عن قاعدة الثلث التي توقعت أنها أبطلت بعد مشروع مصرف الإنماء، بل حديثي عن عصر الضبابية والغموض، والتعامل مع عموم المواطنين على أنهم “قصر”، فقد تم الكشف عليهم وثبت أنهم غير واعين ولا بد من استغلال عدم الوعي هذا! وعندما يأتي ذلك من مستثمر نفهمه ولا نقبله، وعندما يأتي ذلك من جهة حكومية معنية بالمحافظة على حقوق الناس فهو ما لا نفهمه ولا نقبله، ولا يتوقع مواطن عادي أن تقبله الدولة التي نستظل بسقفها، حماها الله. وكتبت أمس عن أسباب عدم الإفصاح عن تقويم علاوة الإصدار وهو ليس أمراً جديداً! الجديد هو استمرار تكراره، وما يجري أقل ما يقال عنه إنه “عيب” في حق الوعي والرأي العام، وهو يشير إلى حاجة ماسة إلى جهة مستقلة تراقب وتشرف على هيئة سوق المال ومجلس إدارتها. هذا إذا ما أردنا أن تتطابق الأقوال مع الأفعال، والشرط أن لا نقع في الخطأ نفسه عندما أنشئت الهيئة واستنسخت من مؤسسة النقد، وكنا نطمع أن يقوم مجلس الاقتصاد الأعلى بدور الإشراف، لكن أمانته العامة قانعة بدور صندوق البريد.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.