فن التعطيل

رسالة من رجل أعمال يحكي فيها معاناته مع الإجراءات العجيبة، والنتيجة ضياع الحقوق والفرص.
أبدأ بقصة قديمة يرويها في رسالته، قبل ست سنوات تمت دعوة مستثمر ألماني لاستكشاف الفرص الواعدة في مدينة جدة، ثم قرر السفر إلى الرياض لعقد اجتماع آخر، في مطار الملك عبدالعزيز “الدولي”، طلب منه رجل الأمن ورقة عدم ممانعة من الكفيل، ألغى المستثمر سفره وعاد ليحضر الخطاب ثم سافر على رحلة أخرى، في مطار الملك خالد لم يسأله أحد عن ذلك الخطاب! عندها قرر الرجل تقديم موعد مغادرته وصرف النظر عن فكرة الاستثمار لأنه اكتشف عدم وجود نظام محدد للتعاملات.
هذه قصة قديمة، فهل تحسنت الأمور؟… يروي صاحبنا قصة جديدة، إذ تعاقد مع شركة ألمانية لتمثيلها في الخليج، وأرسلت هذه الشركة من هامبورج عينات من منتجاتها لكل من موانئ جدة الإسلامي، الشارقة، أبو ظبي، ويمتلك ميناء جدة ميزة تنافسية بحكم الموقع، لذلك فإنه يتوقع وصول الشحنة إلى ميناء جدة في نصف المدة التي تحتاجها للوصول إلى ميناءي الشارقة وأبو ظبي، ومع ذلك لم تصل إلى ميناء جدة حتى تاريخ الرسالة، في حين وصلت العينات إلى موانئ الإمارات!
الميزة التنافسية تبخرت في الهواء، بسبب فنون التعطيل تحت ما يسمى خطابات وشهادات ومطابقة للمواصفات والجودة المختفية أصلاً من أسواقنا، وأعلم مثلما تعلمون أن ميناء جدة الإسلامي لا يعاني من مشكلة زحف الرمال حتى “تغرز” الشحنات والسفن على أرصفته، لكنها الإدارة “التنافسية”، هل تعتقد عزيزي القارئ أنه بالإمكان، وبإدارة من هذا النوع، منافسة الموانئ المحيطة بنا؟ في حال واحدة يمكن ذلك، وهي ان تستورد بيضاً وبسبب التأخير يفقس وتصبح لديك شحنة دجاج! أنفلونزا الموانئ والتعطيل أما لها من نهاية، لا نسمع ولا نقرأ إلا عن نيات وأفكار لمشاريع ضخمة هنا وهناك في بلادنا العزيزة، والشرايين تعاني من “الكوليسترول”، والكرم التنافسي لدينا لا ينضب، أرسل لي رجل الأعمال رسالة أخرى جديدة، ولأني تأخرت في عرض رسالته الأولى عنونها هذه المرة إلى رئيس التحرير، وصلت لمؤسسته إرسالية بلاط من ايطاليا قبل عام تقريباً، وعلى رغم توافر الأوراق المطلوبة ومطابقة المواصفات، وبعد ستة أشهر من ذلك التاريخ وصلهم خطاب بعدم الفسح لعدم مراجعة صاحب العلاقة! وصاحب العلاقة هذا هو شغله الشاغل، لكنه يلخص المشكلة بقوله إن القاضي والسجان هما جهة واحدة، كأنهم يقولون لرجل الأعمال “عاجبك وإلا روح لموانئ وجمارك أخرى!”.
لدي فكرة وهي أن يتبنى مركز “الحوار الوطني” في جولته المقبلة “الحوار” بين الجمارك والموانئ من جهة، ومن الجهة الأخرى رجال الأعمال!

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.