مصيبة أم

قصة محزنة طالعتنا بها صحيفة “الحياة” مطلع هذا الأسبوع، مواطنة سعودية في الستين من عمرها تقتل نفسها بسبب الفقر والحاجة، الحادثة وقعت في محافظة محايل عسير، حيث قامت هذه المرأة بإغلاق دورة المياه عليها ثم قطعت رقبتها بالسكين، ابن المرأة الوحيد أشار إلى أنها ليست مريضة نفسياً، وأنها ليلة الحادثة كانت تشتكي من ضيق ذات اليد والمتطلبات الكثيرة، وأشار الابن إلى أنهم يعيشون على الصدقات.
الصورة التي نشرتها “الحياة” تلخص الألم باختصار أحمر، ومن موقع الحادثة الظاهر في الصورة تستطيع أن تخمن الوضع الاقتصادي للأسرة.
من المعلوم أن غالبية النساء السعوديات في مثل هذا السن يكن على يقين إيماني عميق ويتمتعن بصبر كبير، صبر على الزوج والأولاد، وصبر على الأحوال المتردية، لكنها لحظة ضعف إنساني، وما أضعف الإنسان.
كل من قرأ القصة وطالع الصورة أصيب بالحزن والألم، وتقافزت أمام عينيه كثير من الأسئلة، أين الجمعيات الخيرية والضمان الاجتماعي؟ لم تستطع هذه المرأة مواجهة أوضاع  أسرتها والفاقة التي تعانيها إلا بقتل نفسها، إنا لله وإنا إليه راجعون، ألا تستدعي مثل هذه الحادثة المروعة حضور مسؤول أو وزير؟ ألا تستحق حياة أم وأسرة مثل ذلك؟
هذه الحادثة الصدمة تفتح ملفاً منسياً، إنه ملف صندوق الفقر وملف استراتيجية الفقر، وكل تلك اللجان والاجتماعات والتوصيات، لم تعد مقولة إذا أردت دفن قضية شكل لها لجنة كافية، يظهر أنك إذا أردت إرجاء موضوع ملح ابحث له عن استراتيجية، إنه لمن المؤسف أن تحدث مثل هذه المصيبة في بلد غني يعيش مرحلة يكثر فيها إطلاق المشاريع الاقتصادية الضخمة هنا وهناك، أليس علاج الفقر مقدماً ومن الأوليات خصوصاً أن إثارة موضوعه وحقيقته تمت منذ سنوات تطول يوماً بعد يوم؟ ما العوائق التي أوقفت أو أبطأت مشروع صندوق الفقر واستراتيجيته؟ هل نحن بحاجة لجرس إنذار أحمر يدق في آذاننا مثل تلك الحادثة المؤسفة لنتلفت يميناً ويساراً من حولنا؟ وأين هذه الجمعيات الخيرية التي تنشط، إعلانياً، في المناسبات، ويجتهد بعضها في الإعلان عن جهودها في الخارج، هل تقوم بدورها الحقيقي، هل تصرف ما يصلها في حينه، وهل من أولوياتها الحفاظ على كرامة الإنسان من مخالب الفقر؟
 لقد أشرت مراراً إلى أرصدة هذه الجمعيات في حساباتها في البنوك، وطالبت الوزارة المعنية بالتدقيق فيها، لا قيمة للتبرعات والزكوات إذا لم تصرف في حينها لمستحقيها، هل تريد أن تحزن أكثر، أعرف فاعل خير، لديه مبلغ محدود، يبحث عن موقع ناء في حاجة  لحفر بئر ماء للشرب ليتبرع بتكاليفها، ولا يجد سوى دعوات للحفر في الخارج!
رحم الله تلك المرأة وألهم ذويها الصبر والسلوان.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.