تطلعات القاع

تضخيم الأهداف قد يكون سبباً في عدم تحقيقها جميعاً، لذلك مطلوب من القمة العربية أن تحقق الحد الأدنى، التباين في السياسات وأدواتها بين المجتمعين في الرياض اليوم أمر معلن، بل أصبح من مصادر الخلافات الرئيسية، والسؤال يقول: هل ما زال هناك امن عربي مشترك؟ أمن يجمع الدول العربية، له حدود حمراء واضحة المعالم، تقف عندها سياسات كل دولة صغرت أم كبرت، لقد تجاوز الإعلام العربي البيانات الإعلامية السياسية التي كانت تبث بعد كل اجتماع، لتكرر القول عن “تطابق وجهات النظر”، من الواضح انه لم يعد هناك كثير من “تطابق وجهات النظر”، أو أن هذا التطابق لم يكن موجوداً أصلاً مع اتفاق على عدم الإعلان عنه، إلا أن هذا لا يجيز تحول “عدم التطابق” إلى خلافات مستعصية وشحن متبادل واتهام بالنقص أو شبهة الخضوع لتحكم مرجعيات أجنبية في شؤون عربية، وقرارات القمة العربية المنعقدة في الرياض ينتظر أن تكون قريبة من هموم شعوبها، لم يعد العربي يفكر في الوحدة العربية، ولا في “الولايات العربية المتحدة”، ولا في السوق العربية المشتركة، ترسخ في ذهن هذا المواطن انه كلما ظهرت الوحدة والاتحاد والمشاركة في شأن عربي فشلت بامتياز، حاجات المواطن العربي ما زالت في الغالب الأعم الحاجات الدنيا، المواطن العربي لا يريد سوى الحفاظ على كرامته الإنسانية بكل ما يستلزم الحفاظ عليها، من مستوى معيشة مرتفع وحسن المعاملة من السلطة السياسية، لكن لا ينتظر من القمة العربية أن تبحث الشؤون الداخلية العربية، أو شؤون الشعوب العربية، عهدنا القمم العربية تبحث وتتحدث عن أوضاع المنطقة، وعلى رأس جدول الأعمال دائماً، فلسطين المحتلة وانضم لها لاحقاً العراق ودارفور السودان والصومال ولبنان، لتنتج قرارات وتوصيات، تنفرط بعد فترة، ولا تتمكن جولات مندوبي الجامعة العربية من جمعها مرة أخرى.
لقد كان الإجماع العربي لفترة طويلة إجماعاً صورياً، يلتئم تحت كلمات فضفاضة يفسرها كل طرف على حسب رغبته أو مصالحه، آن الأوان لأن لا نصطدم بالحاجة إلى إجماع من كل الدول الأعضاء في الجامعة العربية، وليس هذا تقليلاً من واحدة منها، لكن تجربة الجامعة طوال العقود الماضية تحتم ذلك، ولو كان هناك أسلوب للعمل مثل أسلوب هيئة الأمم المتحدة ومجلس أمنها، مع شوائبها، لكانت فرص التقدم في الإنجاز أكبر، ولا يتوقع مثل هذا، إلا أن الدول العربية التي تمتلك الثقل وامتازت سياساتها بالحكمة والتروي والابتعاد عن التدخل السلبي في الشؤون الداخلية للآخرين معنية بالتكاتف، لقيادة هذا المجموع المضطرب، حتى لا يستمر نهباً للتدخلات والإملاءات الخارجية، التي تصل موجاتها السلبية لكل الدول الأعضاء وشعوبها.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.