الحلم العقاري

عندما أرى إعلاناً تسويقياً لمشروع عقاري يبرز المجسمات النموذجية الصغيرة الكرتونية وكأنها واقع تم الانتهاء من تشييده، أخاف من وقوع الكثير في مصيدة جديدة، ولو كنا نعلم كم من عقاري من أصحاب المساهمات والمشاريع في السجن، ومن هرب خارج البلاد بأموال الضعفاء لكان الناس أكثر حذراً، لكنها أرقام لا تعلن، وربما لم تصنف أيضاً.
وليست للإعلان قيود وأنظمة، المفترض أن تقوم الجهات المعنية باشتراط وضع عبارة ببنط كبير ومقروء، تقول إن ما ظهر في الصور ليس سوى نماذج لما يخطط له، وإنها لم تصبح واقعاً بعد، ويذكر أيضاً بشكل بارز زمن التنفيذ، وخطورة هذا الأسلوب الإعلاني واضحة، وهي مثل اتفاقات البنوك، هذه تكتب ببنط صغير، وتلك تنشر صورة مكبرة.
أحلام البعض إما بسقف يحميه ويستقر فيه مع اسرته، أو تعويض أمواله المفقودة في سوق الأسهم من خلال  المساهمة في مشاريع عقارية، توفر فرصة ذهبية، النموذج الكرتوني دائماً ملون ولامع يأسر الناظرين، في المجسمات العقارية تكون مواقف السيارات متوافرة إلى حد الإشباع، ويظهر الناس في الصور مبتسمين وكأنهم حصلوا على جوائز نقدية مجزية، أو تم منحهم قطع اراض داخل النطاق العمراني، والطرقات في نموذج المشروع فسيحة ورحبة، وإذا حصل وتم تنفيذ المشروع تنزوي مواقف السيارات أو يتم استخدام مساحات منها لأغراض “تجارية” أخرى، وتتعرض الشوارع إلى عمليات “تنحيف”، وتلحق بها الأرصفة، ويظهر الناس “متلطمين” من رائحة مياه الصرف!
يخبرني القارئ المهندس عاصم حلمي عن أكثر ما يحلم به الشباب، وهو يستند على برنامج حقق حلمك مع mbc، وهو برنامج اتصال مدفوع وأنت وحظك، إما ان تكسب أو تشارك في “تكسيب” الآخرين، وهو الغالب، يقول عاصم إن الحلم الأول للشاب السعودي هو امتلاك منزل، واعلم هذا مثل غيري، الإسكان في السعودية يعيش حالة اختناق، الحاجات كبيرة، والعروض المناسبة نادرة، والتكاليف مرتفعة، وليست هناك في الأفق حلول واضحة، والكل يقول: “العين بصيرة واليد قصيرة”، وفي الشأن نفسه، يطرح قراء آخرون من بينهم الأخ عبدالعزيز الفوزان جمود سياسات صندوق التنمية العقاري، القرض ما زال باقياً على حاله، على رغم ارتفاع كل شيء حتى العقال والشماغ، قطعة الأرض المتاحة لا يقل سعرها عن ثلاثة أرباع قيمة القرض، والموقع في “قلايع وادرين”، والانتظار يكاد يضع القرض بنداً في الوصية.
النمو السكاني في السعودية لم يتم بين يوم وليلة، تفاخر البعض به، وقيل مجتمع شاب، الحاجات كان يمكن تقديرها والاستعداد للوفاء بها إلا أن علم التخطيط في بلادنا يهتم بتخطيط الأراضي ويتوقف، وكأنه ما زال يستخدم “الجبس” في التخطيط، مشكلة توفير المنزل للمواطن قضية ملحة، والأساليب القديمة لعلاجها لن تنفع، وتوقع أن القطاع الخاص سيقوم بالمهمة من أحلام اليقظة، بل ربما من فرص النصب الاستثماري.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.