“الوجاهة” والوقاية

في قضية الطفلين يعقوب “السعودي” وعلي “التركي”، التي تطرقت إليها أمس، يبرز سؤال رافع صوته: من الذي يستطيع تقدير الضرر النفسي على الأسرتين وطفليهما؟ إنه أمر تصعب معرفة وزنه أو طوله أو عرضه. المؤكد أنه عميق جداً. صعوبة القياس تأتي من عدم القدرة على الإحاطة بمشاعر الإنسان وأحاسيسه، فضلاً عن قيمته هو نفسه. هذه الصعوبة تجعل بعضهم لا يقدرونها حق قدرها، خصوصاً وسطاء
“الصلح خير” البعيدين عن حقيقة الألم أو الضرر. ربما هؤلاء يستجيبون للضغوط طمعاً بالأجر والثواب، أو بحكم العادة والحضور الاجتماعي، بالنسبة إليهم ستنتهي القضية بعد أيام، في حين أنها ستعيش إلى اجل غير مسمى مع المتضررين.
قضية الطفلين أساسها خطأ في الإجراءات والتثبت. وهي فتحت الباب ما دام الأب السعودي يواجه حالياً الوجاهات القبلية والعائلية التي تم الاستنجاد بها، لثنيه عن رفع قضية ضد المستشفى وموظفيه، فتحت الباب لنقاش أمر آخر تتدخل فيه الوجاهات والوساطات، وهي قضايا تؤرق المجتمع: سرقة السيارات، حوادث المرور والتفحيط، وغيرها من قضايا، قد تلفلفها الوساطات الاجتماعية فتزرع جذور اللامبالاة في نفوس من اقترفها. العجيب أن تلك الوجاهات والوساطات تضعف عن القيام بدور الوقاية قبل وقوع الفأس في الرأس، أقصد بهذا دور الرقابة السابقة، للتوضيح، نفترض أن جماعة في أحد الأحياء يشتكون من تصرفات طائشة لبعض الصبيان، على سبيل المثال، في الغالب لن يلتفت إليهم احد من أهالي الطائشين، القريبين منهم أو البعيدين. لو استطعنا توجيه هذه الوساطات إيجابياً ووقائياً لربما حققنا الكثير. في قضايا قتل اضطر أهل القتيل إلى الاختباء عن أعين الناس بسبب الضغوط التي تطالبهم بالصفح، فكان أن عاشوا في معاناة مضاعفة.
أعود إلى حادثة الطفلين يعقوب وعلي. يمكن الاستفادة إيجابياً من هذه القضية بالآتي:
* إعادة النظر في إجراءات التأكد من المواليد وتسليمهم لأهاليهم، وسد الثغرات لجعلها أكثر صرامة، مع الحرص على الاهتمام بتطوير أقسام المواليد والنساء والولادة بالموظفات المؤهلات.
* الاهتمام بالإعلان للرأي العام عن العقوبات التي ستتخذ بحق المقصرين. جرت العادة على إعلان التحقيقات من دون نتائجها.
 ? النظر بجدية لشكاوى الناس، فهذا من أبسط حقوقهم، وعدم استهجانها، الضرر كبير وطويل الأمد من حالة واحدة قد تحدث.
في قضية “يعقوب” و “علي”، بعد أربع سنوات، صار مدير المستشفى “سابقاً” ولا يُعلم عن طاقم التمريض هل ما زال على رأس العمل؟ أرجو ألا تسجل القضية ضد “خروج من دون عودة”! القضية في المقام الأول ليست ضد أشخاص بقدر ما هي ضد جهاز لم يراقبهم ويحاسبهم.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.