وقفة مع النفس

عشرات الآلاف من المجندين لخدمة الحجاج، من عسكريين ومدنيين من صغار فتيان الكشافة إلى كبار المسؤولين. والذي قد لا يعلمه من هم خارج السعودية أن الخدمات للمواطن والمقيم في السعودية في ذروة موسم الحج تتأثر انخفاضاً في المناطق الأخرى، لأنها تكون مجندة بطاقاتها القصوى لخدمة الحجاج. هو موسم سنوي معروف موعده، لكنه حالة خاصة متجددة وتطوير مستمر وجموع متكاثرة، وإجازة الدوائر الحكومية الطويلة نسبياً تسهم في توفير طاقات بشرية اكبر، وتخفف شعور المواطن والمقيم بالنقص، الكل مقتنع بأن خدمة الحاج وتسهيل أمره وهو من عانى للوصول إلى المشاعر المقدسة لأداء الفريضة هي غاية وهدف عظيم.
أداء فريضة الحج للفرد امتحان صعب يكشف مدى القدرة على التحمل، يكشفك أمام نفسك من أوجه عدة، تحمّلها وما تعودت عليه، وتحملك غيرك وتصرفاته تجاهك، وهم من أعراق مختلفة قد لا تستطيع التفاهم معهم، مستوى تلك القدرة لا يكتشفه المرء إلا بعد الخضوع للامتحان الصعب، وسط الازدحام، خصوصاً في السعي والطواف ورمي الجمرات، ربما يرى الحاج منيته أمامه حينما يتضاءل أمام الجموع المحتشدة والموجات البشرية الهادرة، التصاق الأجساد بالأجساد بما قد يشبه الهرس والطحن أحياناً، فإذا كان مع الحاج نساء أو أطفال كانت درجة الصعوبة والخطورة اكبر عليه وعليهم، مع أن بعض النساء خصوصاً الأفريقيات يطفن ويسعين في مجموعات تأتي مثل إعصار ساحق، الأيدي متشابكة والأجسام ضخمة وويلك يا من تقف في الطريق أو لا تمشي بالسرعة المناسبة، ويختلف الحجاج في أسلوب الحج بحسب جنسياتهم، لا اقصد الاختلاف المذهبي بل السلوكي… وكيفية تعاملهم مع الآخرين، فعندما تكون الأكتاف بالأكتاف، والأقدام تدوس الأقدام، تظهر السلوكيات ونتاج الثقافات، البعض يراها منافسة وهجمات ناسياً نفسه وإخوة له في الدين وبعضاً آخر، محاولاً الصمود يبتسم معتذراً من خطأ غير مقصود، ومن النصائح للحاج أنه إذا سقط منك غرض وسط الجموع فاتركه مهما كان غالي الثمن، لأن حياتك أغلى منه، الجموع ستسحق من يتردد أو يحاول ذلك من دون قصد، لكنها الموجات البشرية المماثلة لتسونامي، يكون التحكم من الجموع التي ليس لها عقل واحد، هذه الأيام في المشاعر المقدسة تشبه يوم الحشر إذا قدر للإنسان تخيله، وهو لن يستطيع مهما بلغ جنوح الخيال، الاختلافات الثقافية المتشعبة هي نتاج للبيئة والمحيط الذي يقدم منه الحاج أو الحاجة، فإذا استوعبتها وأنت تؤدي الفريضة وسط الازدحام خففت على نفسك الكثير من العناء ومنحتها فرصة التعرف على التصبر، بحثاً عن ظلال الصبر، ردود فعلك الانفعالية على ما قد يصيبك من آخرين محسوبة عليك، ربما تخدش حجك وأنت بذلت كل هذا الجهد لتخرج نظيفاً كما ولدتك أمك… حج مبرور وذنب مغفور إن شاء الله تعالى.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.