رسالة صحافية

الإعلام عمل مسؤول، تحكمه قيم إنسانية نبيلة، لا يتعارض هذا مع جوانب تجارية وتوزيعية وتنافسية تتدخل شرط ألا تُحْدِث خللاً. العمل الصحافي يبحث عن الحقائق ويتحراها في طيات الركض وراء الأحداث، وهو عند رصده للقصور وكشف الأخطاء ينشد الأفضل.
هكذا أرى العمل الإعلامي عموماً والصحافي خصوصاً، ويختلف معي البعض في اجتهادات يمكن الأخذ والرد فيها.
في مدينة جدة وقعت جريمة بشعة، مفزعة، أسبابها خلافات عائلية. تسارعت أحداث خلاف بين زوج وزوجته على حضانة طفل، ويحكم الغضب الشيطاني تصرفات شاب، فيقتل ابن أخته الطفل ابن الثلاث سنوات نحراً بالسكين، حدث هذا في مكان عام، وهي جريمة بشعة بكل المقاييس، أحكمت المصيبة حلقتها حول عائلة مسكينة، القاتل والمقتول خال وابن أخته الطفل البريء، صار الطفل المجني عليه مثل حبل يشده الخال من جهة ووالد الطفل من جهة ليقطعه الأول نحراً بسكين، «إنا لله وإنا إليه راجعون». وذروة الألم تستقر الآن في قلوب الجد والجدة ووالدة الطفل. أنظر إلى الغضب وما يفعله.
هذه صورة لما حدث مما نشر، والصحافة من حقها أن تنشر، إلا أنها، في تقديري، أخطأت بنشر تلك الصورة المفزعة للطفل البريء وسط بركة الدماء. أزعم أن وسائل الإعلام ليست بحاجة لبث أو نشر هذه المشاهد، فمحل تلك الصور هو في ملفات القضية وبين أيدي المحققين، يمكن للصحافة نقل تفاصيل الجريمة أو الحادثة، دون تلطيخ الصفحات بالدماء، لأنها تلطخ القلوب.
في جانب، هناك أسرة يعتصرها الألم، هي أكثر الناس حاجة إلى مواساة لا إلى الضغط على الجروح، لا يعقل أن تُغطى وتحجب صور وجوه متهمين بالجرائم فيما تنشر صور المجني عليهم والمتضررين منها، فكيف إذا كانت مشاهد مروعة؟ هذا عتاب للزملاء في الصحف، وهم مجتهدون وليس كل مجتهد مصيباً، أكثر من صحيفة نشرت تلك الصور.
وهي هنا نموذج لصور أخرى سبق نشرها. للإنسان حرمة حياً كان أو ميتاً، وللمصابين قلوب ومشاعر يجب وضعها في الحسبان.
في جانب آخر، أزعم أن نشر مثل هذه الصور الدموية يميت القلب أو يساعد على موته، ويضر بالمشاعر الإنسانية، انه ينخر مثل سوسة فيحطم أسوار محرمات لم تكن تخطر على بال مشاهد أو قارئ، يتسلل بهدوء وخبث ليستوطن فلا تعرف متى قد ينفجر، والقناة الفضائية مثل الصحيفة لا تستطيع تحديد من يشاهد ويطالع، من أي فئة هو، وما مدى توازنه النفسي وهشاشته، فإذا كانت الأعمار أصغر تظهر أنياب كابوس المحاكاة والتقليد. إن من تعاليم الإسلام ألا تمد لأحد سلاحاً من نصله، حتى لو كان الغرض تقطيع بصل! لم يأت هذا من فراغ بل من فهم عميق للنفس البشرية التي قد تتحول في لحظة شيطانية إلى قنبلة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

4 تعليقات على رسالة صحافية

  1. يفتقد بعض البشر الرحمه من قلوبهمـ
    فتلك الجريمهـ لا ترضي الكافر فكيف بمسلمـ
    في احدى الصحف كتبو ان الجهات الصحيه تقول ان القاتل
    مصاب بمرض التوحد او انه يعاني من مشكلات نفسيه..!
    لدي تعليق على هذآ .. هل كل قاتل لديه مرض نفسي
    كثيرا ما نقرأ آن شاب قتل والدآهـ فهو يعآني من مرض نفسي
    فلان قتل امه فهو في ضغوط نفسيه
    فلان قتل اخاه لانه يعاني من ازمه نفسيهـ
    اشك في أن جميع الشباب يعانون من امراض نفسيهـ
    لماذا لا نقول قله الوازع الديني وقله التربيه ادت الى تهور ذلك الشاب
    لفعل جريمته النكراء…!
    هل نهرب من جريمتنا ونختبئ تحت المرض النفسي ..!
    اجل سأجد لي العذر في قتل أي شخص كآن سوآء مسئول او شخص عآدي
    واقول أنني مصابه بـ مرض نفسي بسبب البطاله التي اعيشها ..!

    وعذرا….

  2. إن الهدف الإعلامي ” نشر الحقيقة بخبر يطابق الواقع في صياغة مناسبة ”
    وليس البحث عن فرقعة العناوين، أو عناصر الإثارة، أو ماهو خارج المألوف ..
    مما لايليق، أو لايتناسب مع النفس البشرية كمشاهد القتلى والجثث المشوهة والدماء ..

    أستاذي الكريم .. مقالة موفقة، ونصيحة في محلها ..
    سدد الله سهمك، وقوى قلمك، ووسع فهمك، وألهمك الصواب دوما بإذن الله ..

  3. د/أحمد عطار كتب:

    سبق وأن نبهت الى قضية نشر الصحف لصور الموتى ولم يوافيني الكاتب الكريم برده على المقال وهاهو ينشر مقالا يتطابق مع ما ذكرته في تعليقي على مقال(الميثاق الصحفي)….!

  4. د/أحمد عطار كتب:

    سبق وأن نبهت الى قضية نشر الصحف لصور الموتى ولم يوافيني الكاتب الكريم برده على المقال وهاهو ينشر الان مقالا يتطابق مع ما ذكرته في تعليقي على مقال(الميثاق الصحفي)….!

التعليقات مغلقة.