التغطية الفضائية للثورات العربية كشفت لنا أحوالاً داخلية لا نعرفها، تبرز منها أحوال ليبيا «الدولة النفطية»، فهي بحكم ثروة تفيض عن حاجتها تختلف عن صور نشاهدها لدول عربية أخرى طوال أشهر من «البث الحي» غير الممنتج رسمياً يمكنك الحكم على أحوال البلاد والعباد. لذلك لا مكان لما يقوله البعض من أن أحوال الليبيين في عهد القذافي كانت جيدة، وأن الفرد الليبي كان يحصل على كذا وكذا، وهو كلام غير صحيح، ما فائدة الخدمات الصحية «المجانية» إذا كانت متردية؟ القذافي نفسه «بعظمة لسانه» قال وهو يدافع عن «ابن علي»، إن الليبيين يذهبون إلى تونس لطلب العلاج! ماذا يعني هذا سوى فشله الذريع في بناء خدمات صحية جيدة، وتونس ليس لديها ربع الثروة النفطية الليبية! ولو كانت لدى القذافي بصيرة لتمكّن من بناء ليبيا خلال أربعين عاماً من استقرار حكمه، ولأصبحت واحة الجذب، لكن الثروة تبخرت على يديه ما بين طموحات خارجية مجنونة، واكتنازها مع فريق صغير يحيط به.
سألت صديقاً من دولة غير عربية وهو «باحث ومفكر مرموق» زار ليبيا مرات عدة عن انطباعاته، ليذكر ما أتوقعه، قال إنهم في إحدى المرات وظفوا فتاة ليبية خريجة محاسبة براتب 160 دولاراً، فكانت ممتنة وفرحة، وأن الليبيين يحترقون لأن ثروات بلادهم تذهب إلى البلاد الأفريقية، ولا يحصلون منها على شيء، والخوف هو السائد في البلاد، الأب يخاف من ابنه، كل شيء يمر من خلال القائد وصورته وخزعبلاته. الزائر الأجنبي لاحظ أن القمامة في شوارع بعض المدن أكوام، وبحسب تعليقه «وكأن البلاد مهجورة»! استخدم القذافي اللجان الشعبية للإطاحة بمن لا يريد… بيد غيره، مكّن غوغاء وأشباه متعلمين من الإدارة والتغيير المستمر، هذا التغيير مكّن لنظامه الاستقرار وحطم ليبيا، حطمت ليبيا مرتين مرة بيده وعلى مهل وعقود، ومرة لأجل الخلاص منه، ومن الجو استمتع حلف الناتو بالتحطيم. معظم هذا معروف ومستقر في الأذهان لكن هناك محاولات لقلب هذه الصورة.
تجزأ قلب القذافي بين ممرضته الأوكرانية «جالينا»، ووزيرة الخارجية الأميركية «كوندي»، وإن كانت مغازلته للسمراء – كما أظن – بدافع سياسي، توهم أنه سيغزو قلب السياسة الأميركية بمديح الوزيرة – لا الأنثى – فلا حظ لكوندي فيها، قدم لها هدايا وألماساً، لكن ذلك لم ينجح مثلما لم تنفع هدايا صدام وعقوده، أبعد القذافي الليبيين وأحاط نفسه بفريق أوكراني تقوده الشقراء «جالينا»، أصيب بهوس الأجنبي، فلم يبق مساحة في ذلك القلب لأي ليبي إلا إذا كان مسلطاً على الليبيين.