رجل الشارع

من باب التواضع يصر صديقي على أن أطلق عليه لقب رجل الشارع وعندما يعبر عن رأيه في قضية ما… ينهي طرحه بقوله:
هذا رأيي أنا رجل الشارع.
ودائماً ما يطرح أسئلة صعبة كأن يسأل عن فائدة الكتابة في الصحف عن الشأن العام، وهل تأتي بجديد أو تغير واقعاً صدئاً يعلوه الغبار منذ عقود. وأجد حرجاً في الإجابة على سؤاله، فمرة أجيب بنعم ومرات أجيب بـ “لا” كبيرة  فيها مرارة أحاول استئصالها.
الصورة في أذهاننا عن رجل الشارع أنه إنسان بسيط ومحدود الأفق، وله نظرة قصيرة، ويمكن لك أن تبيع عليه  جسراً أو نفقاً من الأنفاق العامة حتى ولو كان مسدوداً، وإذا كان لا يملك الثمن يرغب في التقسيط. ونسينا أن الشارع الذي نسب إليه الرجل، تطور وتغير وأصبح أكثر طولاً واتساعاً وازدان في بعض أجزائه بأعمدة الإنارة والأرصفة “المحتلة” إلى أجل غير مسمى، وأصبحت بعض الشوارع دائرية لها مخارج ومداخل. وباستثناء الأحياء القديمة، لم تعد موجودة  تلك الشوارع التي تنتهي بسد يماثل كل سد يمنع الحلول لقضايانا المتكررة الحدوث والمتجددة الإخفاقات والخسائر، أو نافذ لا يعبر منه إلا شخص نحيل فلا يخرج إلا متسخ الملابس. كما اتسعت الشوارع المتعرجة، التي يذكرها بعضكم في صغره فلم يعد ظاهراً للعيان تعرجها بل ربما أصبح التعرج شكلاً جمالياً تتعرج معه الأرصفة والبشر.
وكنت في السابق أعتقد أن مصطلح رجل الشارع يطلق على كل من يمش في الشارع، وجاء هذا الاعتقاد من مرحلة عشناها، كان ينظر فيها للراجل “أي الذي يمشي على قدميه من دون مركبة” نظرة استغراب ودهشة، وربما ازدراء.
رجل الشارع الذي كان يرمى بقصر النظر وبساطة التفكير تغير ولم يعد لتقويمه بهذه الصورة صلاحية تذكر.
هذا الرجل أصبح يفكر ويتذكر وله فهمه الخاص الذي قد يدهش الرجال الآخرين، وهو وإن خانه التعبير المنمق أو استخدم عبارات عامية وبسيطة إلا أنك تنتهي معه غالباً إلى نتائج أبلغ من تلك التي “يتمنظر” بها عليك خبير أو متخصص يظهر على الشاشة الفضية وأمام اسمه ألقاب عدة.
لكل هذا لا بد من أن نعيد النظر في تعاملنا مع من أطلقنا عليه رجل الشارع  بحسب المستجدات التي مرت بها تطورات مكانته في السلم الاجتماعي، وإن كنت لا أجرؤ على المطالبة بالتعامل معه تعاملنا مع رجل الأعمال، فهذا أمر بعيد المنال من رجل الشارع ورجل المكتب ورجال الأرصفة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.