عندما يبدأ الطفل في الجلوس إلى المائدة مع أمه وأبيه يكون التوجيه الأول له منهما محصوراً في عبارة “لا تبدد”، أي لا تترك أثراً من البقايا خارج سفرة الأكل، يعلمونه جزءاً من آداب الأكل، ويعاني الوالدان من ذلك الكثير المتناثر.
ينحصر رفض التبديد لدى الكثير منا في حدود سفرة الأكل، لذلك تجد أن النظافة محصورة في حيز الملكية الشخصية، مثل المنزل أو غرفة الاستقبال! أي السفرة الكبرى. خارج هذا النطاق يحق للطفل التبديد، ويصبح الزجر أخف صوتاً وكلما ابتعدنا يتلاشى أكثر فأكثر، التبديد غير مرفوض لذاته بل لدواعي النظافة و”القيافة”.
خارج المنزل يتبادل الجيران وضع نفاياتهم أمام أبواب بعض، يستغل أحدهم انشغال الآخر فيمرر حاوية النفايات إلى جهته، يُستخدم السائق أو “يبخشش” عامل النظافة للقيام بهذا العمل، فيما يجمل ما حول منزله بالأشجار والأعشاب الخضراء، كأنه يقول ليس لدي نفايات! جارك من الملائكة وأنت لا تدري! كنت أرى مثل ذلك في أفلام الكرتون في الصغر، ثم رأيتها في الواقع عند الكبر.
ومع وجود الخادمة في المنزل خفت حدة توجيه الأطفال في مسألة النظافة، لأن هناك عاملة استقدمت لهذا الغرض! و”مستقدمينها ليش”، القضية ليست تهذيباً للسلوك، والسبب ان فاقد الشيء لا يعطيه، عندما نبتعد في الصحراء والشواطئ وهي “حلال الدولة” كما نعلم! يتحول الكل إلى مبددين ينتثرون وينثرون، وإذا نظرت إلى ما تحت الأشجار النادرة في الصحاري أو الرياض المحدودة جداً، تجد نفايات شبيهة بنفايات مدينة صغيرة.
مشروع “لا تترك أثراً” الذي تتبناه هيئة السياحة يحاول تغيير هذا السلوك، ليتعلم الناس أن كل الأرض هي أرضهم، وأن كل الشواطئ هي شواطئهم، وأن الإيمان الذي من شروطه النظافة لا ينحصر في النظافة الشخصية والمحيط الصغير، بل هو سلوك يرافقك أينما ذهبت، لذلك فإن مشروع هيئة السياحة مشروع بعيد المدى وصعب في الوقت نفسه، فمن ذا الذي يستطيع تغيير عقلية هؤلاء اللامبالين، أولئك الذين تعودوا على عامل أو خادمة لرفع بقاياهم، ويستمتعون بإكرام الآخرين بنفاياتهم!
مشروع حالم، أتمنى له الصمود والنجاح، ولأن الشيء بالشيء يذكر، أذكّر باقتراح كتبته هنا لم يجد صدى من المعنيين بالأمر، قلت في ذلك الاقتراح أن على شركة عملاقة مثل شركة سابك أن تلتفت لدورها الاجتماعي المفقود، هذه الشركة الرائدة اقتصادياً المحدودة الأثر اجتماعياً هي من يوفر المواد الخام لكثير من هذه النفايات، كان اقتراحي الذي ينحصر في جمع أكياس الشعير المتناثرة في البراري والخطرة على الحيوان الذي يحتاجه الإنسان، أنموذجاً لما يمكن أن تفعله، طالبوا معي سابك وغيرها من الأفراد والشركات بألا يتركوا إلا كل أثر مفيد.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط