لم تكتشف دول العالم المتقدم تجربة حركة المرور الذكية التي نعيشها منذ سنوات، لذلك لم نقرأ أخباراً عن استفادة تلك الدول من تجربتنا الفريدة، كما حصل لتجارب قطاعات أخرى.
اعتمدت تجربة المرور الذكي في بلادنا على ذات الإنسان، حفّزت واستثمرت قدرته على التكيّف مع المستجدات، ما مكّنه من تطوير «حواس» جديدة، فبعدما توسعت المدن، اكتفى جهاز المرور «التقليدي» بالإشراف على المواكب الرسمية وبعض الطرق الرئيسة مع غرفة مراقبة بالكاميرات،
أما حركة المرور في بقية طرقات المدينة وأحيائها المترامية الأطراف، فتركت لانطلاق طاقات الفرد – السائق – المختزنة، تم إطلاق العملاق المروري النائم، ليصبح العملاق السريع العابر للاختناقات، وتكوّنت «باللغة الرقمية» تطبيقات عدة في مخيخات السائقين، حتى أصبح استخدام الإشارة الضوئية عند المنعطفات من الأساليب التقليدية القديمة، بل إنه يشبه استخدام الحمام الزاجل في زمن وسائل التواصل اللحظية. ومثلما هناك شبكات للتواصل كالواي فاي، طوّر السائق السعودي شبكة افتراضية في مخيخه يمكن تسميتها شبكة «رايح جاي»، يستطيع من خلالها تخمين اتجاه السائق الآخر القادم من خلفه أو الملتصق بصدام سيارته أو ذاك المناطح له، هذا التكيّف أدى إلى طفرة هائلة في الإدارة الميدانية للأعمال الإنشائية، فأصبح المقاول لا يحتاج على الإطلاق عند الحفر والدفن ثم الحفر إلى وضع إشارات، بل يكتفي بكتلة أسمنتية تحافظ على إنجازاته، يمكنه أيضاً فتح الطريق المغلق لانسياب الحركة للطريق المقابل من دون وضع علامات إرشادية فاصلة، لا حاجة لذلك. الشبكة الافتراضية المستزرعة في أمخاخ السائقين تتكفل بالباقي، صحيح أن البث و«الوصول» يختلفان من سائق إلى آخر، لكن في النهاية يتم تعميم و«تحميل» الشبكة لتعمل طوال مدة الإنشاءات البناءة.
النتيجة والحمد لله تعالى الذي لا يحمد على مكروه سواه أن الكل يعمل، الكل يقود، الكل ينعطف، الرياض مدينة ذكية مرورياً تدير نفسها بنفسها، ولولا أن يقال ليست لدينا إدارة مرور، لتم توظيفها في شأن آخر، استثمرت طاقات سكانها المكبوتة في أبهى تجربة، وهي تجربة تستحق العرض في المحافل الدولية قبل أن تصل السيارة الآلية والسيارة الطائرة.