شتات افتراضي

وسائل التواصل الاجتماعي الإعلامي الجديدة قربت البعيد وأبعدت القريب، وفي هذا تأثير كبير يتعدى الحياة الاجتماعية إلى السياسية والاقتصادية، الاقتراب أو القرب من البعيد حمل معه الكثير من هذا البعيد من ثقافات وعادات وأفكار، والابتعاد عن القريب أحدث فجوة انسجام امتلأت بما تم جلبه، ينطبق هذا مختلف الأصعدة.

في الاجتماعي على سبيل المثال تلاحظ تغيراً كبيراً في الأعراف والتقاليد، ليس في ممارسة ما فقط، بل في إعلان هذا الفعل لاستجلاب تصدر وأضواء، ومن التفاخر بإقامة الولائم للضيوف بتلك الصحون الكبيرة، تطورت المسألة إلى التفاخر بتناول أو طبخ طعام لشخص أو اثنين أو شراء سلعة غالية الثمن، في مجتمعنا لم يكن هذا مقبولاً في زمن قريب مضى، عدم القبول ذاك كان وراءه قيمة أخلاقية احتراماً لمشاعر الأكثر فقراً، وعدم قدرة على الوصول لما وصلت إليه. هذه نتفة صغيرة مما أحدثه تأثير هذه الوسائل اجتماعياً، ويمكن إيراد أكثر.

في السياسي تلاحظ أن الاستقطابات بلغت مرحلة عميقة متجذرة تعلن نفسها مع أي حدث بسيط يحصل لمواطن تلك الدولة في دولة أخرى! حباً إعجاباً أو لأي سبب كان.

أما في تواصل الأجهزة الخدمية مع جمهور المستفيدين فإنها الأكثر ابتعاداً عن الفعالية، إذ ما زالت هذه الأجهزة تعتمد على رد الفعل بانتقاء، أتاحت وسائل التواصل للأفراد المقارنة بين أداء هذه الأجهزة وأخرى مشابهة «وظيفياً» في دول قريبة أو بعيدة، وفي هذا تحد كبير إضافي.

ومن الواضح أن حضور وسائل التواصل الاجتماعي والإعلامي الجديدة لم يؤخذ بجدية، وتم التعامل معه مثل التعامل مع شكل من أشكال الترفيه من دون تحسب للتأثير الكبير البطيء المتوقع، ويمكن للفرد أن يراجع نفسه في أمر ما كيف كان يراه غير مقبول أو محتمل الحدوث قبل سنوات، وأصبح يقبل فيه ولو من دون اقتناع أو يراه يتداول أمامه. وكما أن دول الصراعات السياسية في العالم العربي أفرزت موجات من الهجرة الجماعية هرباً من القتل والحرق، فإن فضاء الإنترنت وصفحات وسائل التواصل تستقطب أيضاً الكثير من العرب «المهاجرين» الافتراضيين، شتات على الأرض وفي البحار، وشتات في فضاء الشبكة العنكبوتية.

 

 

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.