الضجة وعلاقتها بالدجة

حاولت أن أفهم سبب غرام بعض أنصاف السائقين بصوت متفجر لعادم السيارة فلم أنجح! سيارات دفع رباعي أو «سبورات» من الغالية الأثمان، يقوم أصحابها بتعديل عوادمها لتحدث ضجيجاً يصم الآذان، يخترق طبلة الأذن عاصفاً بالعصب السمعي، ثم يواصل مرجّفاً البطين الأيمن من القلب!
هل هؤلاء متأثرون بمخرجي أفلام الرعب يا ترى؟! الاستمتاع بالإفزاع – فيما يبدو – مرض نفسي، البحث عن لحظة إثارة مرضية، ربما أنهم مازالوا يعيشون مرحلة شقاوة الطفولة المبكرة بأدوات كبار خطرة، وإذا كان الطبيب يقول للمريض قل «آه»، ليشخص حالته، فإن أصحاب هذه المركبات في واقع الأمر يتأوهون من خلال «شكمانات» سياراتهم.. هم يعلنون بالضجة أنهم في حالة «دجة».
ويسأل الإنسان نفسه: ألا يكفي صخب وضجيج أصبحا السمة الغالبة للمدينة طوال ساعات اليوم.
ويظهر أننا في حاجة إلى «ساهر» صوتي، أتخيله على شكل أذن كبيرة يمكن للتجميل وضع حلق لامع بحلمتها يتأرجح يميناً ويساراً، يقيس درجة الضوضاء التي تحدثها السيارة، وقد تتهشم مجساته عند مرور هذا النوع من المركبات.
العجيب في جماعة العوادم أعلاه أن معظم سياراتهم جديدة، بمعنى أنها لا تعاني من مشكلات ميكانيكية، إن ما يعاني من مشكلة ميكانيكية ونفسية وذوقية هي عقولهم.
تزايد أعداد سيارات تم تعديل عوادمها لتحدث أصواتاً أكثر ضجيجاً، وتبع ذلك أيضاً دراجات نارية يستمتع أصحابها بمفاجأتك… إنها لحظة الانطلاق.
أحياناً يبدو لي أنه من الترف طرح قضية التلوث الصوتي، وبخاصة مع وضع مروري معروف، وفي واقع الأمر أنا لم أطرحها الآن، بل أطرح قضية الإرهاب الصوتي المسكوت عنه.
هل تتفق معي أن مستوى الضوضاء مرتفع بزيادة في المدن الرئيسة؟ إذا أردت قياس هذا المستوى فيجب أن «تسافر» إلى الصحراء، إلى أبعد نقطة عن آخر «شبك» يمنعك من الغوص في البراري بحرية. لحظات السكون هناك تعطيك صورة حقيقية لما تعيشه يومياً في المدينة، سواء العاصمة أم غيرها من المدن الكبيرة.
وإذا كانت التنمية تستلزم استخدام الآلات، والازدحام السكاني يفرض حركة سيارات مكتظة غالب ساعات اليوم، فإن هناك ملوثات صوتية متعمدة يجب إيقافها.
ولو كان الأمر بيدي لخصصت غرفاً معزولة الصوت يوضع فيها أصحاب هذه السيارات للإنصات و«الاستمتاع» القسري «لسمفونيات» يعزفونها من سياراتهم، وجحا أولى بصوت «شكمانه»!

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.