متلازمة «الهياط»… صور وأرسل

كان بعض الناس يتجمهرون حول الحوادث بدافع الفضول لرواية الحدث بالتفصيل في جلسة استراحة أو مقلّط. ثم أصبحوا يستطيعون القيام بذلك موثقاً من خلال التصوير والإرسال بسهولة ويسر، الثابت أن التجمهر مستمر بل وفي ازدياد، بما يعني ذلك إعاقة أعمال رجال الأمن ورجال الإنقاذ. وهو شكل من أشكال «الهياط» الذي لم يركز عليه مقارنة بالهياط الشخصي الباحث عن الشهرة والانتشار بأي وسيلة، فالغاية تبرر الوسيلة في عرف هؤلاء وأولئك.
ومن المعلوم أن هناك صورة ذهنية سلبية عن رجال الدفاع المدني في الإنقاذ ومباشرة مختلف الحوادث من الحرائق إلى الغرق في الأنفاق والسدود، تتنوع هذه الصورة حول الاستعداد بالأدوات والوسائل وسرعة الحضور إلى آخر ما هو معروف، والتنكيت حول هذا كثير، لكن في جانب الظل المغطى من الصورة قد لا يعلم الكثير من المواطنين والمقيمين حجم الإعاقة لجهود الإنقاذ ومباشرة الحوادث بسبب التجمهر وهوس التصوير. بمعنى أن هذا الذي ينتقد أو صديقه يساهمان في إعاقة عمل رجال الإنقاذ ثم ينتقدونهم.
استمعت بألم مقرون بالدهشة، لرواية أحد رجال الدفاع المدني عن مباشرة حادثة اصطدام سيارة أسرة صغيرة بشاحنة، السيارة الصغيرة التحمت بالشاحنة وتحولت إلى قطعة حديد لا يمكن فكها إلا بالتقطيع، داخل السيارة زوج هو السائق وزوجه كانت حاملاً. الزوج توفي على الفور أما الزوجة فكانت مصابة تستغيث من داخل الحطام الحديدي، تسأل عن زوجها وتطلب المساعدة. ولأن رجال الدفاع المدني هم أول الواصلين قبل الإسعاف باشروا تفكيك السيارة المحطمة وإخراج المرأة الحامل لتكون المفاجأة أنها على وشك الولادة، والمنقذون ليس لديهم خبرة للتعامل مع حالة كهذه! ولأنه لم يحضر متخصص معهم تلك اللحظة تولوا المهمة، وسط كل هذا الانشغال المعقد كان رجال الدفاع المدني منشغلين أيضاً بدفع فضوليين «مشافيح» استلوا أجهزة جولاتهم للتصوير من دون حياء أو شعرة إحساس، ما اضطر رجل الإنقاذ إلى إحضار بطانية وإمساكها بيديه كساتر عن الأعين المتلصصة، فيما قام الآخر بإكمال مهمة الإنقاذ.
متلازمة «الهياط».. صوّر وأرسل من دون إحساس أو مسؤولية، أنانية تتفشى تعرقل وتهدم من دون رادع لا من نظام صارم ولا من مروءة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.