توظيف السخط

استكمالاً لمقالة أمس «توظيف الإرهاب» من قبل الدول والتنظيمات، نتأمل جانباً آخر من إمكانية التوظيف بعيداً عن استغلال الفكر والعقيدة، أو على الأقل جعلها عاملاً مساعداً لهذا الاستغلال.
تبنى تنظيم داعش الإرهابي العملية الإجرامية في نيس، واصفاً سائق الشاحنة الفرنسي الجنسية من أصول تونسية بأنه «أحد جنودنا».
وعلى رغم كل المعلومات «المبثوثة» من إعلام فرنسي، التي لا تشير إلى التزام ديني بسيط لدى سائق الشاحنة المجنونة، الذي قتل وأصاب نحو 200 شخص دهساً بشاحنة مسرعة، وعدم ظهور بيان مصوّر للإرهابي يكشف عن دوافعه كما هي العادة لدى بعض إرهابي داعش والقاعدة.
وسواء صدق «داعش» أم كذب، لا بد من التأمل والتدقيق في عنصر مهم، دائماً يُغْفَل أو يتم التغافل عنه في تجنيد الإرهابيين، وهو توظيف السخط والاكتئاب وحالة الإحباط، ويمكن أن يكون السخط لأي سبب شخصي أو مجتمعي، وأصبح بالإمكان معرفة ذلك من دون حاجة إلى الحصول على ملف نفسي للمستهدف، وسائل التواصل تتيح الحصول على تقرير عن الحال النفسية بالنقاش واستمرار التواصل والرصد لشخص وحتى لفئة مهمة من مجتمع ما، ويمكن توظيف ذلك بسهولة ويسر للمحترفين في أجهزة الاستخبارات أو التنظيمات الإرهابية.
وفي ما سمي الربيع العربي، شاهدنا توظيفاً لشعارات جاذبة للفئات والمكوّنات الأعرض في المجتمعات العربية البائسة، تختص بالجانب الاقتصادي والمعيشي والحقوقي، وقد فتح ذلك النجاح عيون حتى بعض الناشطين المشاهير في وسائل الإعلام الجديد من الذين لم يعهد منهم: «تأريخياً» اهتمام بهذه الجوانب.
النجاح في الاستقطاب أسبابه معروفة من أحوال اجتماعية واقتصادية وحقوقية سيئة تعيشها شعوب عربية، حتى من المهاجرين في أوروبا وأميركا فهؤلاء صيد سهل، هناك القاعدة العريضة منهم في أدنى درجات المجتمعات الأوروبية، مع سهولة التواصل والمحادثات وبناء الصداقات من خلال وسائل الإعلام الجديد، وهذه الجزئية على رغم حيويتها وأهميتها يتم إهمالها عند الحديث عن أسباب نجاح تجنيد الإرهاب الشباب وصغار السن في الدول العربية، لأنها ربما تكشف كثيراً من نواحي الفساد والفشل في تحقيق وعود التنمية، وتحسين أحوال المعيشة، والحفاظ على الحقوق.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.